الاثنين، 29 مارس 2021


جزر من محاضرة "الطلاق المبكر"، وزارة الإعلام، الهيئة العامة للاستعلامات، مركز إعلام المنيا، الوحدة المحلية لقرية بمبال، مطاي، 18 مارس 2021.

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

المشاركة السياسية للمرأة

مفهوم المشاركة السياسية:

 المفهوم العام للمشاركة السياسية هو : "مشاركة أعدادكبيرة من الأفراد
والجماعات في الحيـاة السياسية". وتعني المشاركة السياسية عند صومائيل
هاتنجتون وجون نلسون "ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون
بقصدالتأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء أكـان هـذا النشاط
فرديا أم جماعيا ، منظما أم عفويا ، متواصل أومتقطعا ، سلميا أم عنيفـا ،
شـرعيا أم غيرشرعي ، فعالا أم غيرفعال". والمعنى الأكثر شيوعا لمفهوم
المشاركة السياسية هو "قدرة المواطنين علـى التعبيـر العلنـي والتأثير في
اتخاذ القرارات سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين يفعلـون ذلـك".
حيـث تقتضي المشاركة السياسية وجود مجموعة بشرية تتكون من
المواطنين والمواطنات يتوفر لديهم الشعور بالانتماء إلى هذه المجموعة
البشرية وبضرورة التعبير عن إرادتها متى توف ّرت لـديهم الإمكانيات المادية
والمعنوية ووسائل أو آليات التعبير. وعلى هذا الأساس يجري وصف النظام
الديمقراطي على أنه النظام الذي يسمح بأوسع مشاركة هادفة من جانب
المواطنين فـي عمليـة صنع القرارات السياسية واختيار القادة السياسيين.
فمفهوم المشاركة السياسية يشمل النشاطات التي تهدف إلى التأثير على
القرارات التي تتخـذها الجهات المعنية في صنع القرار السياسي )كالسلطة
التشريعية والتنفيذيـة والأحـزاب(، وتـأتي أهمية المشاركة السياسية في هذه
الأشكال المختلفة في مواقع صنع القرار ومواقع التـأثير فـي كونها تمكن
الناس من الحصول على حقوقهم ومصالحهم أو الدفاع عنها، الأمر الذي
يعطيهم في النهاية قدرة التحكم بأمور حياتهم والمساهمة في توجيه حياة
المجتمع بشكل عام.
مراحل المشاركة السياسية:
تم ر المشاركة السياسية بدرجات أو مراحل مختلفة:
 تبدأ بالاهتمام بالشأن العام أو السياسي.
 تتطور إلى الانخراط السياسي
 تتحول إلى القيام بنشاط سياسي.
 ثم تنتهي بالوعي بضرورة تحّمل المسـؤوليات السياسـية وتعـاطي النشـاطات السياسية وكل أشكال
العمل والنضال السياسي. وتنتهى هذه المراحـل بقـرار أن تشارك المراة فى الحياة السياسية، والذى
يتم بأحد وجهين :
 الترشيح فى الانتخابات: حيث تقرر خوض معترك الحياة السياسية بنفسها والعمل من داخل المطبخ
السياسى .
 الناخبة: وهنا تقرر السيدة أن يكون لها صوت فى تحديد مـن يمثلهـا، حتى يدافع عمن حقوقها
ويعبر عن مشكلاتها واهتماتها.
ك ّل هذه المراحل وكذلك المشاركة كناخبة أو مرشحة ما هي إلا تعبيرات مختلفة للمواطنة التي
تتطلب أّولا وقبل ك ّل شيء تطوير الاعتقـادات وتـدعيم »الثقافـة السياسية«. حيث تقوم المشاركة
السياسية على الحقـوق المتسـاوية للجماعـات والنساء والرجال والاعتراف لهم على قدم المساواة
بالحقوق والحريات الأساسية.
بداية المشاركة السياسية للمرأة فى مصر:
 في عام ١٩٠٧ تأسس الحزب الوطني، وشاركت المرأة المصرية في جهوده وأنشطته، فقد
دعا مصطفى كامل لتعبئة جهود المرأة في الحركة الوطنية، إلا أن هذه العضوية ظلت
عضوية غير رسمية.
 وفي عام ١٩٠٨ اشتركت المرأة في التوقيع على العريضة التي قدمها الحزب الوطني
للخديوي للمطالبة بإنشاء مجلس نيابي.
 وفى عام ١٩١٠ مثلت السيدة انشراح شوقي المرأة المصرية في المؤتمر الدولي الذي
عقد في بروكسل من أجل تأييد مصر.
 كما شهد عام ١٩١٤ تكوين "الرابطة الفكرية للنساء المصريات" للمطالبة بحقوق المرأة
السياسية.
 وفى عام ١٩٢٣ أنشئ الاتحاد النسائي برئاسة السيدة هدى شعراوي بهدف المطالبة
بحقوق المرأة السياسية وفى مقدمتها حق الترشيح والتصويت. وبمجرد إنشاء الاتحاد
النسائي المصري انضم إلى الاتحاد الدولي لحقوق المرأة في جميع أنحاء العالم لخدمة
الإنسانية جمعاء، ومن خلال هذا الاتحاد الدولي شاركت المرأة المصرية في المؤتمرات
الدولية، وأصدر الاتحاد النسائي مجلة "الإجبسيان" ١٩٢٧ برئاسة السيدة سيزا نبراوى
وصدرت باللغة الفرنسية لتوزع بالخارج وتعرف بنشاط الاتحاد .
 واقترن أول برلمان لمصر بعد إعلان ٢٨ فبراير ١٩٢٢ بتصاعد الدعوة
للمساواة بين الرجل والمرأة، والمطالبة بمنح المرأة حقوقها السياسية، حيث
لم تتضمن نصوص دستور ١٩٢٣ ما يشير إلى حقوق المرأة السياسية.
 ونصت المادة ٣ من كل من دستوري ١٩٢٣، ١٩٣٠ على أن المصريون
لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق السياسية والمدنية،
وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب
الأصل أو اللغة أو الدين.
 ومن نص هذه المادة نلحظ أن قوانين الانتخاب الصادرة في ظل هذين
الدستورين تقصر الحقوق السياسية على الرجال دون النساء إذ أنها لم تشر
إلى عدم التمييز بسبب الجنس.
المشاركة السياسية للمرأة المصرية بعد ثورة ١٩٥٢:
 ونلاحظ بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ أن التنظيمات السياسية وأولها "هيئة
التحرير" كانت خالية من تمثيل المرأة وبناء على ذلك فإنه يؤرخ لدخول
المرأة في البرلمان بصدور دستور ١٩٥٦ الذي ساوى بين الرجل والمرأة
فى الانتخاب والترشيح للمجالس النيابية، فقد نصت المادة ٣١ على أن
"المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات لا
تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة"
وبفضل هذه المادة حصلت المرأة على حقوقها السياسية حيث نصت المادة
الأولى فى القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ على أنه على كل مصري وكل
مصرية بلغ ثماني عشر سنة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية
الآتية:
١ - إبداء الرأي في الاستفتاء الذي يجرى لرئاسة الجمهورية.
٢ - انتخاب أعضاء مجلس الأمة.
 ومر المجتمع المصري بعد صدور دستور ١٩٥٦م بعدة تحولات اجتماعية
واقتصادية وسياسية أثرت على التمثيل النيابي للمرأة وأدائها داخل البرلمان.
 واشتركت المرأة في تنظيمات الإتحاد القومي المختلفة ١٩٥٧، وعند
انتخاب القاعدة الشعبية ١٩٥٩ومجالس البنادر، برزت المرأة في تنظيمات
الإتحاد القومي من خلال اللجان الثلاثية للأحياء والشياخات ولجنة
المحافظة، كما تشكلت لجنة نسائية فى إطار الإتحاد القومي للتخطيط للنشاط
النسائي.
 وفى نوفمبر ١٩٦٢ صدر قانون بتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي
للقوى الشعبية، حيث أوصت بأن يكون أعضاء المؤتمر ١٥٠٠ عضو تمثل
المرأة ٥% من إجمالي الأعضاء وفى ١٩٦٢ مع إعلان الإتحاد الاشتراكي
كمنظمة سياسية، دخلت هيئاته العديد من السيدات، إلا أن اجتماعات اللجان
كانت غير منتظمة ثم توقفت نهائيا . ومع ثورة التصحيح فى مايو ١٩٧١
وإعادة بناء الإتحاد الاشتراكي دخلت ١٣٠٩ سيدة بنسبة ٢% من مجموع
الأعضاء بالوحدات الأساسية بالمحافظات و ١٦ سيدة بنسبة ١% من
مجموع الأعضاء في مؤتمر المحافظة ولم تدخل لجان المحافظة إلا سيدتان
وفى سبتمبر ١٩٧٥ أصدر الرئيس محمد أنور السادات قرارا بتكوين
التنظيم النسائي للإتحاد الاشتراكي. والذي أقر لأعضائه حق الانتخاب
والترشيح لمستويات التنظيم المختلفة، حتى يعمل على رفع قدرة المرأة
ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ويتعرف على مشكلات المرأة والعمل
على حلها.
 ونص الدستور المصري الصادر عام ١٩٧١ على مساواة المرأة في
الحقوق السياسية بدون تمييز، إلا أن قيد المرأة في جداول الانتخابات كان
اختياريا حتى صدور القانون رقم ٤١ لسنة ١٩٧٩ الذي أزال هذه التفرقة
وجعل القيد في جداول الانتخابات إجباريا بالنسبة للرجل والمرأة. وبذلك
تكون مصر اتخذت الإجراءات القانونية للمساواة بين الرجل والمرأة في
المشاركة السياسية قبل انضمامها لاتفاقية المرأة عام ١٩٨١ التي تنص
المادة ٧ منها على: "التزام الدول أطراف الاتفاقية باتخاذ كافة التدابير
المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة لضمان
حصول المرأة على المساواة في الحقوق السياسية، وذلك سواء بالتصويت
في جميع الانتخابات أو الترشيح للانتخاب والمشاركة في صياغة سياسة
الحكومة وتنفيذها وتولى الوظائف العامة أو المشاركة في جميع المنظمات
والجمعيات غير الحكومية. "
 وصدر القانون رقم ٢١ لسنة ١٩٧٩ في شأن مجلس الشعب حيث نص "علي تخصيص
ثلاثين مقعدا للمرأة في المجلس على الأقل وعقب صدوره قفز عدد العضوات إلى ٣٥
سيدة في مجلس ١٩٧٩ بنسبة ٩% تقريبا من جملة عدد الأعضاء".
 ثم قضت المحكمة الدستورية العليا فى عام ١٩٨٦ بإلغاء القانون رقم ٢١ لسنة ١٩٧٩
لعدم دستوريته ، وقضت بإلغاء تخصيص مقاعد للمرأة، وبذلك هبطت نسبة تمثيل المرأة
في برلمان ١٩٨٧ إلى ٢.٤% ، وهبطت النسبة مرة أخرى في كل من مجلسي ١٩٩٠ ،
١٩٩٥وبلغت ٢.٢% ثم ارتفعت النسبة قليلا ووصلت إلى ٢.٤% في برلمان ٢٠٠٠
وعاودت انخفاضها لتصل إلى 8. 1% في انتخابات ٢٠٠٥.
 وشهدت عضوية المرأه فى المجالس المحلية تراجعا مماثلا فقد كانت نسبتها تقارب ١٠
% فى عام ١٩٨٣لتنخفض الى ٢ ، ١ % فى عام ١٩٩٢ ثم ترتفع فى انتخابات عام
٢٠٠٢ الى ٤ ،٢ % ،ثم فى انتخابات ٢٠٠٨بلغت عدد السيدات اللاتى حصلن على
مقاعد فى المجالس المحلية بالتزكية او بالنجاح ٢٣٣٥ مرشحة بنسبة ٤.٤ % من أجمالى
أعضاء المجالس المحلية.
 وسجل عدد النساء المقيدات في جداول الانتخابات ارتفاعا مضطردا من ٣.٦ مليون مقيدة
في ١٩٨٦بنسبة ١٨% إلى ٨.٨ مليون مقيدة في سنة ٢٠٠٠ بنسبة ٣٥% ثم ارتفع العدد
إلى ١٠.٨ مليون مقيدة بنسبة ٣٧% عام ٢٠٠٣.
 تراجع التمثيل السياسي للمرأة في السنوات الأخيرة ووصلت نسبة المرأة
إلى 8. 1% من أعضاء البرلمان المصري بعد مرور ما يقرب من ٥٠عاما
على إعطاء المرأة المصرية حق الانتخاب والترشيح - المرأة المصرية هي
أول امرأة في المنطقة العربية تحصل على هذا الحق - اذ أن المرأة فى
الانتخابات التشريعية التي أجريت عام ٢٠٠٥حصلت على ثمانية مقاعد من
مجموع ٤٥٤ مقعدا بمجلس الشعب، ثلاثة منهن حصلن على مقاعدهن
بالانتخاب بينما شغلت خمسة منهن مقاعدهن بالتعيين.
المرأة في الوزارة:
 دخلت المرأة المصرية كوزيرة في الحكومة منذ بداية الستينيات من القرن
الماضي حيث تولت السيدة حكمت أبو زيد وزارة الشئون الاجتماعية في
سبتمبر ١٩٦٢، ومنذ ذلك التاريخ لم تخل حكومة مصرية من عدد من
الحقائب الوزارية التي تتولاها نساء.
ولكن يلاحظ أن مشاركة المرأة في الوزارة اقتصرت على وزارات بعينها مثل
وزارة الشئون الاجتماعية والبيئة.
مشاركة الإناث في وظائف الإدارة العليا:
 بلغت نسبة الإناث شاغلي وظائف الإدارة العليا في الجهاز الإداري للدولة
حتى سبتمبر ٢٠٠٤ حوالي ٢٥.٧% من إجمالي موظفي الإدارة العليا
لترتفع بذلك نسبة الإناث في وظائف الإدارة العليا مقارنة بأول يناير
٢٠٠١ والتي مثلت الإناث حوالي ٢٣.٧% من إجمالي موظفي الإدارة
العليا. وتنقسم وظائف الإدارة العليا إلى الدرجة الممتازة والعالية ومديري
العموم، وفقا لذلك نجد أن الإناث تولت عام ٢٠٠٤ حوالي ١٢.٨% من
وظائف الدرجة الممتازة وحوالي ٢١.٩% من الدرجة العالية و٢٧.٦%
 وبتوزيع الإناث شاغلي وظائف الإدارة العليا في الجهاز الإداري
للدولة وفقا للقطاعات المختلفة، نجد أن حوالي ٢٢% من القيادات
النسائية تعمل بقطاع الاقتصاد والمال، وحوالي ١٧% منهن بقطاع
الثقافة والإعلام، وحوالي ١١.٥% بقطاع التعليم والبحوث والشباب،
ونحو ١١% بقطاع الخدمات الرئاسية. بينما نجد أن الدواوين العامة
والمجالس المحلية وقطاعات التموين والتجارة الداخلية وقطاع السياحة
هي أقل القطاعات في الدولة التي تتولى فيها الإناث المناصب القيادية.
أما قطاع الثقافة والإعلام، فيعتبر من أكثر القطاعات التي تتولى فيها
الإناث الوظائف القيادية بالإدارة العليا ، حيث تمثل القيادات هذا
القطاع حوالي ٤٤% من وظائف الإدارة العليا ، يليه قطاع التأمينات
والشئون الاجتماعية بنسبة بلغت ٣٢.٧% من إجمالي وظائف الإدارة
العليا ، كما تمثل الإناث نسبة ٣١.٥% من وظائف الإدارة العليا
بقطاع السياحة . أما قطاع الزراعة والري والنقل والاتصالات
والطيران المدني فتمثل القيادات النسائية النسب الأقل على مستوى
جميع القطاعات )٥.٣ ١% و ١٤.٦% من اجمالى القيادات على
التوالي(.
المرأة في السلطة القضائية:
 اتجهت مصر إلي تحقيق قدر من المساواة بين المرأة والرجل في مجال
تولي الوظائف القضائية حيث اتخذت مجموعة من الإجراءات في هذا
الإطار كالتالي :-
 تم تعيين العديد منهن في هيئة قضايا الدولة وفي هيئة النيابة الإدارية وقد
بلغ عدد النساء في هيئة قضايا الدولة ٧٢ امرأة عام ٢٠٠٤ من مجموع
عدد أعضاء الهيئة الذي بلغ ١٩١٢ عضوا .
 بلغ عدد النساء في النيابة الإدارية نحو ٤٣٦ امرأة من مجموع أعضائها
البالغ نحو ١٧٢٦ عضوا أي بنسبة ٢٥%.
 تولت المرأة رئاسة هيئة النيابة الإدارية فترتين متتاليتين وشارك أعضاء هيئة
النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة من النساء في الإشراف القضائي على
الانتخابات التشريعية التي أجريت عام ٢٠٠٠ كما شاركن في عضوية لجان
التوفيق في المنازعات الذي أخذ به المشرع المصري بالقانون رقم ٧ لسنة ٢٠٠٠
إذ تتولي المستشارات السابقات من هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية رئاسة عدد
من اللجان المشار إليها.
 وفى سبتمبر ٢٠٠٦ طلب وزير العدل من رئيس محكمة النقض رئيس المجلس
الأعلى للقضاء في مصر موافقة المجلس على تعيين المرأة "قاضية" من حيث
المبدأ، وطبقا للقواعد المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية ، وذلك إعمالا
للمادة ٤٠ من الدستور المصري .
 وفى ابريل ٢٠٠٧ تم تعيين ٣١ قاضية من اللاتي تم اختيارهن من بين ١٢٤سيدة
تقدمن لهذا العمل من عضوات هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة ويعد هذا القرار
خطوة هامة على طريق المواطنة الكاملة.
 وفى ٩ ابريل ٢٠٠٧ أدت ٣٠ قاضية اليمين القانونية أمام مجلس القضاء الاعلي
برئاسة رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء الاعلي ، والمتقدمات من
عضوات هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة.
المرأة في السلك الدبلوماسي والقنصلي:
 تتولى المرأة في مصر العديد من المناصب في السلك الدبلوماسي
والقنصلي.
 وقد شهد عدد الإناث في هذا المجال ارتفاعا مطردا عبر السنوات الأخيرة،
فمنذ عام ١٩٦١ تولت المرأة المصرية مناصب في السلك الدبلوماسي
والقنصلي.
 ١- يبلغ عدد السيدات اللآتى يعملن بالسلك الدبلوماسي والقنصلي من درجة
سفير إلى درجة ملحق ٩٥ سيدة يمثلـن نسبة ٢٠.٥% من إجمالي عدد
أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي.
 ٢- يبلغ عدد السيدات في درجة سفير٣٧ سيدة تشغل منهن ١٥ سفيرة
منصب رئيس بعثة بالخارج )سفير أو قنصـل عام(، وتشغل ١٩ منهن
مناصب رئاسية بديوان عام الوزارة، حيث تتولى ٦ سفيرات منصب مساعد
وزير الخارجية ، إحـداهـن مساعد وزير الخارجية لشئون مكتب الوزير.
 ٣- يبلغ عدد السيدات من درجة وزير مفوض إلى درجة ملحق ١٥٨ سيدة.
المرأة في المجالس المحلية:
 لا تزال مصر في وضع متدني فيما يتعلق بوضع المرأة في المجالس
الشعبية المحلية حيث تقل نسبة تمثيل النساء في آخر مجلس شعبي محلي
عن ٥%. وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع نسبة تمثيل المرأة في دول العالم
المختلفة يعود في جزء كبير منه إلى أن هذه الدول تطبق نظام الحصص أو
غيره من بنود ما يعرف بالتمييز الإيجابي على المستوى المحلى مثل ناميبيا
وأوغندا وباكستان والهند وبنجلاديش وفرنسا وجنوب أفريقيا والغالبية
العظمى من دول أمريكا اللاتينية.
المرأة المصرية والمجالس المحلية التنفيذية:
 وتجدر الإشارة إلى أنه لم يتم تعيين امرأة في منصب المحافظ أو نائب المحافظ
حتى الآن، ولا حتى في منصب رئيس المركز أو سكرتير عام للمحافظة، ولأول
مرة تم تعيين المهندسة هناء عبد العزيز كسكرتير عام مساعد لمحافظة ٦
أكتوبر. ثم عينت سكرتيرا عاما مساعدا لمحافظة الدقهلية.
 أما بالنسبة لمناصب رؤساء المدن والأحياء والقرى فعدد من يشغلن
هذه المناصب من النساء لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، تتوزع على
محافظات الجمهورية في القليوبية وسوهاج وقرية توماس وعافية
بإسنا بمحافظة قنا، على الرغم من كثرة عدد هذه الوحدات المحلية
)٢٨محافظة ومدينة ذات وضع خاص هي الأقصر، ١٨٤ مركز،
٢٢٢ مدينة، ٧٨ حي ، ١٢١٠ وحدة قروية محلية، ٤٦٧٣ قرية أم،
٢٦٦١١ كفر ونجع وعزبة(. وهكذا فمن الواضح أن المكسب المتحقق
للمرأة المصرية بتغيير النص القديم في قانون العمد والمشايخ والذي
كان يشترط فيمن يعين عمدة أو شيخ بلد أن يكون من الذكور، حيث
ثبت أن هذا النص يخالف الدستور، وقد وافقت الحكومة المصرية
والبرلمان المصري على حذف هذا الشرط من القانون وأصبح من
حق المرأة أن تشغل منصب العمدة أو شيخ البلد وهو ما أثمر تعيين أو
امرأة في منصب العمدة بأحد قرى محافظة أسيوط. ثم الشرقية.
إيفا هابيل أول عمدة مصرية
إن المساهمة المتواضعة للمرأة في السلطة المحلية يرجع إلى
عدة أسباب على رأسها: هامشية دور المجالس المحلية المنتخبة،
وتركيبة النظام المحلى المعقدة، وانتشار الفساد في المحليات،
وسيادة الخطاب الديني في العملية الانتخابات، والعادات والتقاليد،
وضعف منظمات المجتمع المدني المساندة للمرأة، وتنميط دور
الإعلام للمرأة، ومحدودية عدد المرشحات في الانتخابات
المحلية، وضعف الثقافة السياسية لدى الناخبين المحليين، وانتشار
الفقر وتأثيره على الترشح للانتخابات، انتشار الأمية، ضعف
وهشاشة العمل الحزبي للمرأة، وضعف إيمان الأحزاب بدور
المرأة وقدرتها على المشاركة الفعالة، وعدم اقتناع المرأة بدورها
وعدم إيمان المرأة بقدرة المرأة، افتقاد وجود نماذج نسائية
تحتذي للمرأة على المستوى المركزي، افتقاد مشروع معبر عن
قضايا المرأة، وسيادة الثقافة الذكورية.
معوقات المشاركة السياسية للمرأة:
 يمثل ارتفاع نسبة الامية اكبر المشكلات التي تواجـه تفعيـل المشـاركة
السياسية للمرأة ، وخاصة أن أمية النساء اكبر حجما واشد خطـرا وابعـد
أثرا، لتأثيرها السلبي على الأسرة والأطفال .
 الافتقار إلى القدر اللازم من الثقافة المؤهلة للمشاركة في أنشطة المجتمع،
وعدم الوعي بالحقوق والواجبات في هذا المجال .
 عدم الإلمام بالحقوق المدنية للمرأة والتي تبدأ باستخراج البطاقة الشخصية،
وهى الدليل الاساسى لإثبات وتحقيق المواطنة الصالحة و تفعيل المشاركة .
 التأثيرات السلبية للقيم والعادات المتراكمة التي أدت إلى عدم حصول المرأة
على وضعها الذي تستحقه.. وقد تتأثر المرأة نفسـها سـلبا بهـذه القـيم
والعادات.
 النظرة السائدة للمرأة في الريف التي تجعلها اقل قدرا مـن الرجـل فـي
الحصول على حقها في التعليم والموارد والعائد .
 حجم العبء الملقى على عاتق المرأة.
 عدم تحمس الأحزاب والقوى السياسية لترشيح النساء على قوائمها .
 تعليق الأمر بأداء المرأة ذاتها في البرلمان والمجال المحلى.
 الثقافة الشعبية حيث تعمل الثقافة السائدة فى المجتمع علـى التفرقـة بـين
الشأن العام و الشأن الخاص وأن دور المرأة يقتصر على العمل الخـاص
المتعلق بأمور المنزل والأولاد بينما تعتبر إدارة الدولة أى العمل العام جزء
أصيل من إختصاص الرجل.
 أيضا تكرس الثقافة السائدة النظرية السلبية للعمل بالسياسة "باعتباره مجرد
كـلام وتضيع للوقت "، ومن ثم هناك رفض للدور السياسـى للمـرأة سـواء
كناخبـة أومرشحة وان كانت أعلى نسبة قيد للنساء جداول الإنتخابات فى
الريف إلا أنهـا ليست من منطلق الحرص على مشاركة النساء وإنمـا مـن
منطلـق اسـتغلال الأصوات النسائية والتى تمثل كتلة انتخابية فى تدعيم
مرشح تم اختياره من قبـل العائلة أو القرية ضد مرشح أخر.
تجربة جمعية أهلية:
 تم استغلال كثير من النساء اللاتي حصلن على بطاقات انتخابية ولـم يتم في كثير
من الاحيان اختيار المرشح المهتم بقضايا المواطنين وانما المرشح الذي استطاع
شراء أصوات المواطنين. واستجابت الكثيرات وبعن أصواتهن مقابل خمسين
جنيها للصوت، أما اللواتي رفضن هذا الأسلوب فقد تم سـبهن وضـربهن
وتهديـدهن بالمطـاوى لإرغامهن على اختيار مرشح بعينه.
 استخدام البلطجية فى منعهن من دخول اللجان والادلاء بأصواتهن للمرشح الذى
قررن اختياره.
 الاعتداء عليهن بالضرب والسب والقذف حتى لا يدلين بأصواتهن، وذهبت الكثير
منهن للمستشفى لمعالجتهن مما أصابهن من جروح. وهو ما أثـار حفيظتنا كجمعية
أهلية ومجموعة من النشطاء نؤمن بالديمقراطية، وحاولنا إثارته على أعلى
المستويات وقمنا بالاتصال بالصحافة لنشره بها مع صورمصاحبة له لحال
السيدات والاصابات التى بهن. ولكن لم يتم معاقبة مـن قام بذلك.
 فإذا قررت السيدة المشاركة كناخبة فإنه سيواجهها أخطار البلطجـة
والاحساس بعدم الأمان، خصوصا لأن من يفعل ذلك لا يتم معاقبته،
وبالتـالى سيجمن من البداية عن المشاركة أو يخترن بيع أصواتهن.
 أما إذا قررت المرأة المشاركة كمرشحة، فإن ما يعوقها أكثر بكثير مما
سبق.لأنها تضطر إلى المرور بكل ما تواجهه الناخبة من أمور بلطجة
وتعدى وغيرها، بالإضافة لما يستخدمه المرشحون من أساليب فى
اساءة سمعة أى امرأة ترشح نفسها، وهو ما أفصحت عنه غالبية من
رشحن أنفسهن فى انتخابات مجلـس الشعب الأخيرة. كما أن المرأة
يواجهها طوفان الأموال التى ينفقها المرشحون دون حساب لشراء
الأصوات .. فكيف نطالب السـيدات أن يشـاركن ويرشـحن أنفسهن
دون أن يكون هناك تقنين فعلي يطبق على أرض الواقـع لوضـع حـد
أقصى للانفاق.
 والخلاصة أننا نحتاج لتعديل المناخ الانتخابى الذى تمارس فيه المرأة
حقوقها السياسية كمرشحة أو كناخبة.

الأربعاء، 22 يونيو 2011

دور الأخصائى النفسى والإجتماعى فى مواجهة الإدمان

تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على الدور الذي تقوم به مهنة الخدمة الاجتماعية في مواجهة ظاهرة الإدمان، وكذلك توضيح الدور المهني الذي يقوم به الأخصائي الاجتماعي في علاج ظاهرة الإدمان.

ينطلق العمل الاجتماعي العلاجي في مجال الإدمان من مفهوم أساسي يتناول الإدمان بوصفه مرضا اجتماعيا بدنيا نفسيا. والأخصائي الاجتماعي في مجال الإدمان يقوم بعمله كأخصائي اجتماعي متخصص مهنيا، يتم إعداده خلال المرحلة الجامعية الاولى في كليات الخدمة الاجتماعية وأقسام الاجتماع بكليات الآداب. ويتم الإعداد المهني للأخصائي الاجتماعي خلال فترة الدراسة للقيام بدوره في العمل الاجتماعي العام على نحو محدد علميا ومنهجيا على المستويين النظري والعملي.

وعندما يلتحق الأخصائي الاجتماعي للعمل بالمستشفى يتم تدريبه على القيام بدوره كمعالج اجتماعي في مجال الإدمان وفق برامج تدريبية مكثفة يتعرف خلالها على طبيعة الإدمان كمرض، وكيفية العمل مع المريض وأسرته, ويكتسب الأخصائي الاجتماعي خلال التدريب مهارات مهنية جديدة متنوعة تمكنه من فهم خصائص شخصية المريض، وأساليبه الدفاعية، والتعرف على مشكلاته الاجتماعية وتأثيرها على حياته الشخصية والأسرية والروحية. وهو أول من يقابل المريض ولذا فعليه أن يكون عنصرا جاذبا للمترددين يحسن الاستماع والتوجيه وتتخلص مسئولياته فى التالي:

1- يقوم بإجراء البحث الاجتماعي فور وصول المريض ويجمع المعلومات المطلوبة لذلك.

2- يشترك مع الطبيب النفسي فى وضع خطة العلاج الاجتماعي ومتابعته.

3- يشترك فى جلسات العلاج الجماعي وكذلك حضور الاجتماعات والندوات المختلفة.

4- يقوم بالفحص الاجتماعي الخارجي لأفراد الاسرة حسب الحالة.

5- يتولى قيد البيانات الإحصائية المعدة لذلك ويستخلص منها التقارير الاسبوعية والشهرية والسنوية.

6- يشترك فى الاجتماعات العلمية الدورية التى تتم بالعيادة.

7- يشترك فى الأبحاث العلمية المقدمة للاستفادة من مضمونها.

ويري أغلب الأطباء المتخصصين في الصحة النفسية والمتخصصين فى علاج الإدمان أن عملية العلاج من إدمان المخدرات تحتاج إلى فترة زمنية تنقسم إلى مرحلتين:

المرحلة الاولي: المرحلة الحرجة:

تقدر بحوالي ثلاثة اسابيع ويتم فيها علاج المدمن بيولوجيا بالأدوية الواقية لتخليص الجسم من الآثار الجسمية للإدمان وعودة الاتزان الفسيولوجي لأجهزة الجسم بمعنى خروجه من الحالهة القهرية للإدمان وهي مرحلة صعبة يتعرض المدمن خلالها للآلام الكبيرة التي تصاحب عملية الانسحاب ويتم فيها إعطائه مسكنات قوية خالية من أي نوع من أنواع المخدرات وأدوية تساعد علي تحقيق اثار الابطال مع المخ والجهاز العصبي مع وضع غذائي معين لمدة خمس عشر يوما على الأقل.

ويمكن تلخيص محتوى دور الاخصائى الاجتماعى مع المدمن خلال المراحل الاولى للعلاج فى النقاط التالية:

- بث الثقة فى نفس المدمن ومنحه مشاعر الاطمئنان.

- إقناعه بأهمية العلاج وأهمية استمراره بعيداً عن المادة المخدرة.

- شرح وظيفة المستشفى للمدمن، ونطاق العلاج، ودور كل عضو من أعضاء الفريق العلاجى معه، وما هو المطلوب منه.

- دراسة أهم مشاكل المدمن والتى تعرقل خطة العلاج ومساعدته على إيجاد الحلول لها.

- الاتصال بأسرة المدمن وتهيئتها للتعاون مع الفريق العلاجى وعودة المدمن إليها بعد تمام شفائه، وعلى الاخصائى الاجتماعى أن ينقل صورة واضحة عن المدمن (شخصيتة- دوافع وأسباب التعاطي- الضغوط الداخلية والخارجية- أوضاعه الأسرية) إلى أعضاء الفريق العلاجى وتفيد فى ذلك كتابته للتقرير الشامل عن المدمن والذي يحقق فردية الحالة.

- متابعة تنفيذ خطة العلاج الطبى النفسى للمدمن ومساعدة المدمن على فهم طبيعية خطة العلاج وأهمية التسلح بالصبر والإرادة على تحمل آلام الانسحاب والاستمرار في تنفيذ خطة العلاج وعدم اليأس ويؤكد للمدمن ان التزمة بهذه الخطة لها أهمية كبيرة.

- إعداد تقرير اجتماعى شامل عن حالة المدمن منذ دخوله المستشفى وكيفية استجابتة للآخرين من المدمنين الذين يعالجون بالمستشفى وأيضا استجابته لنفسه ولأعضاء الفريق العلاجى.

المرحلة الثانية : مرحلة العلاج النفسي والاجتماعي:

لا تقل هذه المرحلة أهمية عن المرحلة السابقة وهي مرحله تبدأ من نهاية الأسابيع الثلاثة الأولي من مدة العلاج، حيث يتخلص الجسم بشكل نهائي من آثار الإدمان إلا أنه تبقي مرحلة الحنين النفسي للمواد المخدرة. وهنا يأتي دور العلاج النفسي (الفردي) أو (الجماعي) يجلسان دورياً مع الطبيب المعالج أو من خلال جماعات المدمنين السابقين أو مدمنين تم علاجهم نهائياً وأصبحوا أفراداً أسوياء فى المجتمع ويتم خلال هذه الجلسات مناقشة بعض الموضوعات المهمة التي تهدف إلى مساعدة هؤلاء علي تحقيق أكبر قدر ممكن من فهم النفس والثقة بها والاعتماد عليها والمقدرة علي المساعدة الذاتية.

ويظهر دور الخدمة الاجتماعية في التأهيل النفسي والاجتماعي الذي يبدأ بعد شفاء المريض من الأعراض الانسحابية الجسمية للمخدر وتشمل:

أولا: دور الأخصائي النفسي: ويفضل ان يكون متخصصا فى العلوم النفسية ومقاييس الشخصية وقادرا على مزاولة العلاج النفسي والفردي والجماعي. ودوره مهم للغاية؛ حيث يعالج الاضطرابات النفسية المصاحبة للاضطرابات الجسمية بالجلسات الفردية والجماعية وازالة الشعور بالرغبة النفسية للتعاطي عن طريق تدريب العقل الباطن للمريض على الاقتناع الداخلي بالتوقف عن تعاطي المخدرات. وتتلخص مسؤلياته فى التالي:

1- التعاون فى ميدان العلاج النفسى الفردي والجماعي.

2- القام بالقياسات النفسية التي يطلبها الطبيب.

3- المشاركة فى الندوات والاجتماعات والعمل على اكتساب ثقه المرضى.

4- المشاركة فى الاجتماعات العلمية.

5- المشاركة فى الابحاث العلمية الجارية بالعيادة.

ثانيا: دور الأخصائي الاجتماعي في علاج حالة المريض عن طريق دراستها من خلال التاريخ الشخصي والاسري والعائلي للمريض للوصول الى المشكلة الحقيقية التي أدت الى استخدام المخدرات وحلها بأساليب اجتماعية مناسبة عن طريق المقابلات الفردية والجماعية والارشادية وتعاون الاسرة لزرع الثقة في نفوس المرضى وتوجيه سلوكهم توجيها سليما.

والامر معقد ويحتاج الى معالج متخصص وعلى كفاءة عالية للعمل على حل مشكلات المريض ووضع خطة التدخل العلاجي المناسب وربط المريض مع الرعاية المستمرة وعمل التدخلات الاسرية والارشاد الاسري اللازم لاسرة المريض. ومن ذلك تتبين اهمية المهارات التي يتم تدريب الأخصائي الاجتماعي عليها في مجال الإدمان بوصفه معالجا. وأهم هذه المهارات مهارات المواجهة البناءة حيث يقوم المعالج بمواجهة التناقض الذي يظهر في اقوال المريض او بسلوكياته وافعاله، حيث تبدو مظاهر التناقض في رؤية المريض لنفسه ورؤية الآخرين له، فهو مثلا يصف نفسه بأنه شخص اجتماعي بينما يراه المعالج ميالا للانسحاب من العلاقات الاجتماعية ومنطويا على نفسه وهو يرى أنه قادر على السيطرة على إدمانه وأنه غير مدمن بينما يجده المعالج قد تعاطى المخدرات منذ فترات طويلة وتنقل بين أكثر من مخدر وتزايدت الجرعات التي يتعاطاها الى مستويات مؤذية في بعض الحالات، والمريض يرى أنه لا توجد مشكلات اجتماعية في حياته من إدمانه سواء على المستوى الشخصي أو الأسري فهو يرجع وجود زوجته في بيت أهلها الى تأثير أهل زوجته عليها ويرجع فقده لعمله إلى اضطراب العلاقة مع رئيسه أو عدم الارتياح للعمل ودخوله السجن إلى مشاجرة مع أحد الأشخاص تلك النماذج من حالات انكار المريض ومراوغته تحتاج الى مواجهة من المعالج حيث يتعامل المعالج مع الرؤية المحرفة للمريض إلى نفسه وللآخرين مستخدما أساليب وتقنيات المواجهة فيكشف المتناقضات بين ما يقوله المريض وبين سلوكه فهو يقول جئت للعلاج في المستشفى بنفسي ثم يطلب الخروج دون إكمال البرنامج وقبل انتهاء مدة العقد العلاجي متعللا بوجود مشكلات أسرية يتوقف حلها عليه، أو خشية ضياع العمل وعندما تتم المواجهة والمناقشة الموضوعية وتبصير المريض بنتائج أعماله فهناك نسبة محترمة من المرضى تغير من رأيها وتستكمل البرنامج.

والمواجهة اليومية بين المعالج ومريض الإدمان تتطلب دائما وجود علاقة إنسانية إيجابية مشتركة بينهما، ومع مرور الوقت وأثناء فترة العلاج تنمو العلاقة المهنية العلاجية وتتكون عوامل الثقة في المعالج ويتقبل المريض مواجهة المعالج ويبدأ الاتساق لدى المريض فيما يقوله وما يفعله وتقل دفعات الغضب والانفعال لأن المواجهة تساعد المريض على التركيز على مشكلاته التي غيرت مجرى حياته وهي تحطم غالبا الدفاعات الشعورية واللاشعورية التي يستخدمها المريض في التعامل مع الآخرين. وعندما ينجح المعالج في تكوين العلاقة الإيجابية مع المريض يبدأ في اخراج المشاعر والسلوكيات التي كان يحاول انكارها او تجاهلها الى السطح، وعندما يدرك المريض انه شخص غير سيىء ولكن له سلوكيات سيئة يمكن التعامل معها وتعديلها والتخلص منها تكون العملية العلاجية قد آتت أكلها حينئذ يتعلم المريض انه مسؤول عن تعافيه ويتعامل مع مشكلاته بشكل واقعي ويندمج في جماعات العلاج المساندة وبطبيعة الحال يستفيد المعالج الاجتماعي من كافة الانشطة العلاجية في تغيير اتجاهات المريض وتنمية الجوانب الايجابية لديه من خلال الجلسات الفردية وجلسات العلاج الجسمي والمحاضرات التشخيصية وجلسات التعافي. كما أن للمعالج الاجتماعي دوراً مع أسرة المدمن؛ فمن خلال الجلسات الأسرية في المستشفى يتم تخفيف أثر الضغوط الأسرية على المريض، وشرح طبيعة الإدمان كمرض ومساعدة الأسرة على التعبير الشفاهي عن مشكلاتها مع المريض. ويتم شرح أهمية المساندة الصحية للمريض ومعاونته في الحضور الى المستشفى وفي حال الانتكاس. والمهم, أن الأخصائي الاجتماعي يقوم بمهام متعددة لكنه يعمل دوما من خلال الفريق العلاجي المخصص للمريض. ويعتمد هذا البرنامج العلاجي على محاضرات تثقيفية وجلسات علاجية الهدف منها زيادة استبصار المريض وفهم نفسه بصورة شاملة واكساب المريض مفاهيم جديدة وافكاراً جديدة لمعرفة الاضرار النفسية الناجمة عن الاستمرار في التعاطي.

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

مصر بين الدولة الدينية والمدنية

الدولة المصرية دولة قديمة قدم التاريخ، وهذا راجع إلى ظروف الاستقرار الزراعي على ضفتي نهر النيل في مصر. وكانت الدولة في هذا السياق جهازاً إدارياً ضخماً يدير مجريات الأمور في المجتمع المصري، من خلال فكرة الحاكم (فرعون) ابن الإله، وكون الحاكم المصري آنذاك ابناً للإله، يعني أن المجتمع بأسره يدور في فلك هذا الحاكم ويعمل ويزرع من أجل الحاكم ومجده الشخصي وطموحاته وسعادته. إن إضفاء الألوهية على الحاكم تبرير للاستبداد وتسويغ له، وهكذا وظف الحكام (الفراعنة) الدين لتمرير وفرض استبدادهم.

استقبل المصريون القرن العشرين الميلادي ولديهم تعليم عام وتعليم أكاديمي تمثل في المدارس العليا المتخصصة ثم الجامعة الأهلية، وصحافة تعبر عن مختلف التيارات الفكرية والساسية والاجتماعية، وأحزاب تعبر عن طبقات الأمة المصرية وتوجهاتها الفكرية والسياسية والاجتماعية، ومؤسسات قضائية، وأدب وشعر ومسرح جديد يعكس ويجسد مشكلات وأحلام وتطلعات المصريين من جهة والوعي الجديد من جهة أخرى وحركة ترجمة عمدت إلى ترجمة ما تيسر من تراث الحضارة الإنسانية الحديثة.

وبذا كانت مصر تسير باتجاه بناء الدولة الحديثة التي بدأها محمد على. نضج الوعي الجديد مع ثورة1919وقيام الوفد المصري بزعامة سعد زغلول، الأمر الذي انعكس لأول مرة في توكيد فكرة وقيمة المواطنة من خلال رفع شعار (الدين لله والوطن للجميع) وهذا اقتراب كبير جداً من مفهوم الدولة الحديثة القائم على مفهوم المواطنة، وهنا أيضاً يتحول المصريون لأول مرة في التاريخ من رعايا هم رهن رضا أو سخط الحاكم إلى مواطنين لهم حقوق قبل أن يكون عليهم واجبات. وتبلور هذا التحول الحاسم في دستور عام 1923 العلماني والذي فيه يتحول أساس الحكم من حكم قائم على أساس ديني إلى حكم مستمد من الأمة، فالأمة مصدر السلطات، أي أنه حكم على أساس فكرة العقد الاجتماعي التي يقوم عليها الحكم في الدولة الحديثة. في هذا المناخ الصحي الجديد بدأت العقول المفكرة تعبد الطريق أمام العقلانية وحكم عقل الإنسان النقدي في مقابل التقليد والنقل والاتباع وإجلال الماضي والتراث بالإطلاق.

في هذا المناخ ظهر كتاب على عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) الذي ذهب فيه إلى أن الإسلام دين فقط وليس دنيا وحكماً، والخلافة الإسلامية ليست من الإسلام وإنما هي ما تواضع عليه من جاءوا بعد رسول الإسلام. فكانت محنة هذا المفكر إذ تصدت له المؤسسة الدينية التقليدية وأخرجته من زمرة العلماء.

وفي عام 1926 م ظهر كتاب طه حسين في (الشعر الجاهلي) الذي نقد فيه التراث على أسس عقلية مستمدة من فلسفة ديكارت العقلانية، وأيضاً تصدى له التيار الديني الأصولي وأجبره على حذف أجزاء محورية من كتابه المشار إليه. وتأسست جماعة "الإخوان المسلمون" الأصولية في عام 1928م كتعبير عن رفض قيم العقلانية والحداثة والعلمانية والليبرالية الوليدة في البيئة المصرية.

محنة على عبد الرازق ومصير كتاب (في الشعر الجاهلي) لطه حسين وظهور جماعة الإخوان كانت تعبيراً عن وجود وقوة التيار الأصولي في مواجهة تيار الحداثة الذي كان ما يزال وليداً ضعيفاً لم يشتد عوده بعد، وهكذا تأرجحت مصر بين تيار العقلانية وقيم الحداثة من علمانية وتنوير وليبرالية وديموقراطية، هذا التيار الذي كان يطمح إلى تغيير المجتمع والناس حتى تدخل مصر بوابة الحضارة الإنسانية وتصير عضواً في ناديها الكبير، وبين التيار الأصولي الخارج من رحم العصور الوسطى والذي يتمسك بالماضي وأن أساس المجتمع ديني، وبالتالي يرفض المواطنة ويسوغ استبداد الحاكم وظلمه ومن ثم يحارب التيار الجديد ويقاومه بشدة، وفي رفضه وحربه هذه يلعب على وتر الإيمان في نفوس الجماهير فاقدة الوعي والمغيبة عقلياً. وهكذا جاءت الليبرالية كائناً مشوهاً ناقص التكوين، ومع ذلك فهي فترة بها بصيص ولمحات من العلمانية والتنوير والليبرالية وقيم الحداثة والمواطنة.

وجاءت ثورة 1952م والتي كانت في جوهرها ردة كاملة عن التيار الحضاري الناشئ منذ ثورة 1919م وعودة هيمنة الدولة واستبدادها والنظر إلى جموع المحكومين- وهذا هو الأخطر- على أنهم رعايا لا مواطنون وعاد الحاكم ولياً للأمر ووصياً يستبد ويقهر وينكل بكل من يعارضه، فلا حرية ولا ديموقراطية ولا أحزاب ولا مؤسسات فعلية للدولة، وإنما حاكم فرد يفعل ويحكم وفقاً لرؤيته الذاتية. وهكذا عادت مصر القهقري إلى حاكم العصر الوسيط المفوض من قبل الله في صورة حديثة. وإذا كان الأمر كذلك فإبطال إعمال العقل أمر ضروري للحاكم لكي يستمر حاكماً بلا منازع، من هنا الالتجاء إلى الدين وفتح الطريق واسعاً أمام رجال الدين والفقهاء بغرض نشر ثقافة النقل وتغييب العقل وثقافة التواكل والجبرية واستنبات الأصولية في عقول وضمائر المصريين وإدخال أن قيم الحداثة وعلى رأسها العلمانية زيغ وضلال وضد شرع الله في روعهم.

وهكذا خسرت مصر ما ناضلت وكدت وعملت من أجل استنباته في التربة المصرية منذ الحملة الفرنسية ومحمد على وثورة 1919م، ولعل وضعية مصر الآن من تدهور وانحدار وترد على كافة الأصعدة تعبر بوضوح شديد عن المحنة التي يعانيها المصريون[1].

ضياع مستقبل الدولة المدنية في مصر بين استغلال الدين في العمل السياسي، للوصول إلي الحكم، مثلما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها॥ وبين استغلال النظام السياسي، للدين لترسيخ السلطة حتي ولو كانت منفردة، وتحقيقا لأهداف سياسية وحزبية لم تستطع تحقيقها بالوسائل المدنية।

فبعد قرنين كاملين من محاولة إنشاء دولة مدنية حديثة، ما زلنا حائرين في ماهية تلك الدولة وهل هي حقا مدنية، أم دينية. وحين يتوه الجميع في دوامة خلط المفاهيم يصبح المخرج الوحيد هو: “دولة مدنية ذات مرجعية دينية”، أو دولة دينية ذات غلاف مدني.

وفي كل الأحوال تنتعش المؤسسة الدينية في مصر، وتلعب أدواراً مركبة ومتعددة في الحياة العامة، وتتدخل بدرجات متفاوتة في العمل السياسي العام، وتدلي بدلوها، عبر الفتاوى والعظات العامة في أمور مدنية بحتة[2].

تنص المادة الثانية من الدستور المصري على أن «الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع» بعد أن كانت «الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع» وهذا القصر فى المادة بعد تعديلها ـ قصر المصدر على الشريعة الإسلامية ـ هو الذى يفتح الباب للحديث عن الدولة الدينية، مع أن المحكمة الدستورية العليا أفرغت هذا التعديل من مضمونه عندما قالت إن النص يقصد منه مبادئ الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت قطعية الدلالة. هذه المبادئ هى وحدها التى تعد المصدر الأساسى للتشريع بعد التعديل. والمبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة ـ فى غير العبادات- لا تتعدى عدداً محدوداً جداً من المبادئ.والحقيقة أن نصوص مواد دستور ١٩٧١ ـ مجرد النصوص ـ تقيم الدولة المدنية ولا تقيم دولة دينية أو تفتح الباب لها.

توجد بعض الممارسات من جانب البعض في الفترة الأخيرة والتي تعتبر تهديدا للدولة المدنية من هذه الممارسات أو الظواهر انتشار الجوانب السلبية لازدياد المد الديني وإحلال مبدأ الحلال والحرام مكان مبدأ سيادة القانون.. برأت المحكمة التأديبية احدي الممرضات الممتنعات عن تنفيذ أمر التكليف الصادر لها من وزير الصحة من تهمة الخروج علي مقتضي الواجب الوظيفي حيث ثبت للمحكمة أنها ارتكبت هذه المخالفة طاعة لأوامر زوجها‏,‏ وان تغليب طاعة الزوج علي طاعة جهة العمل واجب شرعي[3]‏.‏

الفتوي التي صدرت عن مجلس الدولة‏,‏ والتي تنص علي أن للأزهر الكلمة الأخيرة في أي مسألة تتعلق بالإسلام في الأعمال السمعية والبصرية‏.‏

اغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ‏,‏ والحكم علي نصر أبوزيد بالردة‏,‏ ووصل الأمر بواحد ممن كفروه الي درجة الافتاء بعدم جواز دفنه في مقابر المسلمين‏,‏ علي الرغم من أن نصر صرح بالشهادة عشرات المرات‏,‏ وعلي الرغم من أن الحكم بردته والتفريق بينه وزوجه قد أوقف بحكم مضاد‏,‏ فظل نصر‏,‏ رحمه الله‏,‏ مسلما في نظر القانون والشرع‏,‏ ولم يحدث تفريق قط‏.‏ والعشرات من دعاوي الحسبة القديمة والجديدة التي تقف أمامها الدولة المدنية عاجزة‏.‏

نُسب إلى الدكتور "مفيد شهاب" إنه كان فى ندوة فى ساقية الصاوى، وقال بالحرف الواحد: "ليس معنى إننا دولة ذات أغلبية مسلمة أن تحكمنا الشريعة الإسلامية"، وقد تناقلت هذا الخبر كبرى الصحف القومية والمستقلة والمعارضة فى "مصر"، وأيضًا كثير من المواقع الإلكترونية. ولكن عندما استضيف الدكتور "شهاب" على الهاتف فى إحدى الفضائيات عما نسب إليه انبرى الرجل مكذبًا ومعاودًا التأكيد أن ما نُسب إليه هو الكذب، بل أن الدكتور "شهاب" أصرّ على التأكيد أن دين الدولة الرسمى هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع بحكم المادة الثانية من الدستور، بل أضاف بأنه لا يمكن أن ياتى قانون فى "مصر" يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وأن ما يُترك لغير المسلمين هو فقط أحوالهم الشخصية التى يحتكمون فيها إلى شرائعهم!!

وما قاله "شهاب" يتفق مع ما أكّده الدكتور "فتحى سرور" من قبل عندما أعلن أن المادة الثانية هى خط أحمر لا يجوز المساس به والإقتراب منه!!

في كل الحالات، أسست الدولة العلمانية الحديثة في المشرق ليس على مفهوم فصل الدين عن الدولة، بل بمفهوم سيطرة الدولة على الدين. الدولة المصرية ليست دولة إسلامية ـ دينية، ولم تكن كذلك منذ لحظة ولادتها الثانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، ولكنها دولة حديثة تجهد للحفاظ على تحكمها في الشأن الديني وإدارته، ووضعه لخدمة بقائها واستمرارها.

مهمة الدولة الأساسية الآن هى «حماية واستقرار نظام الحكم» على حد تعبير سامر سليمان فى رسالة الدكتوراه التى قدمها إلى معهد العلوم السياسية بباريس عام ٢٠٠٤، التى قال فيها: «أسوأ شىء يحدث فى مصر الآن أنه لا يحدث شىء على الإطلاق».

بصرف النظر عن النصوص الدستورية مصر دولة مدنية وليست دولة دينية وإنما هي دولة الرجل الفرد، حتى جاز لبعض الناس أن يقول فى وقت من الأوقات «مصر عبدالناصر ـ أو مصر السادات ـ أو مصر مبارك»[4].

[1] رفعت عوض الله، العلمانية ومأزق الدولة المصرية

[2]http://www.doroob.com/?p=27461

[3] http://www.ahram.org.eg/301/2010/09/26/15/40729.aspx

[4]http://saveegyptfront.org/selected-articles/8846.html



الأربعاء، 10 فبراير 2010

المشكلة السكانية والتنمية

يميل بعض علماء السكان إلى الفصل بين أبعاد المشكلة السكانية الثلاثة : حجم السكان، وتوزيعهم، وخصائصهم؛ فيركزون على تزايد الحجم، أو ما يسمونه بالانفجار السكاني، ويعتبرونه من أهم عوائق التنمية، مغفلين البعدين الآخرين : التوزيع، والخصائص، وخاصة من حيث تأثيرهما على حجم السكان، وتأثر الأبعاد الثلاثة بالظروف الاقتصادية – الاجتماعية التي يحيا في ظلها هؤلاء السكان. وهكذا نجد البعض يحذر - بشدة - من خطورة زيادة السكان، الذي يطلق عليه الغربيون"الانفجار السكاني"، بدعوى أن تزايد أعداد المصريين يعوق التنمية ويستنزف الموارد ويغرق مصر في الديون ويجعلها أكثر فقرا. ولكن في مقابل هذا الرأي، يوجد رأي آخر يقرر أصحابه أن مشكلة مصر الحقيقية ليست في التزايد السكاني أساسا، ولكنها في سؤ توزيع السكان والافتقار إلى التخطيط العلمي السليم، وأن التزايد السكاني ليس سببا للتخلف والفقر ولكن نتيجة لهما.

وتنبع المشكلة السكانية في مصر أساساً من عدم التوازن بين عدد السكان الذي بلغ حتى مايو 2008 حوالى ٧٨.٧ مليون نسمة، وفقاً لآخر تعداد سكاني، وبين الموارد والخدمات، وهو ما يفسّر عدم إحساس المصريين بثمار التنمية، رغم تضاعف الموازنة العامّة للدولة، ونموّ الاقتصاد المصري بمعدّل سبعة في المئة. وقد وصل عدد السكان إلى نحو 7ر76 مليون نسمة في تعداد عام 2006 مقابل نحو 5ر61 مليون نسمة في تعداد عام 1996 بارتفاع بلغت نسبته 7ر24 في المئة في عشرة أعوام. وتوقع مسح ديموغرافي أخير أن يصل عدد سكان مصر إلى نحو 6ر94 مليون نسمة بحلول عام 2017 ونحو 6ر118 مليون نسمة بحلول عام 2030 في حال ثبوت معدل الانجاب الكلي الحالي. ولفت إلى أنه إذا انخفض معدل الانجاب الكلي إلى مستوى 1ر2 طفل لكل سيدة بحلول عام 2017 فقد يصل عدد السكان إلى نحو 8ر89 مليون نسمة وإلى 6ر103 مليون نسمة بحلول عام 2030.

كما لا تقتصر المشكلة السكانية في مصر على زيادة عدد السكان فقط، بل أيضاً على التوزيع العمري لهؤلاء السكان، حيث إن نسبة كبيرة من سكان مصر تحت سنّ الـ١٥ عاماً، بالإضافة إلى النموّ الحضري العشوائي الذي أدّى إلى تفاقم المشكلة، بسبب سوء توزيع السكان على رقعة الدولة، حيث يمثّل سكان الحضر حوالى ٥٦.٩١٪ من إجمالي سكان مصر، وهو ما يعني انخفاض العاملين في الزراعة، وقلّة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها، وهو ما يؤدّي إلى الفجوة الغذائية[1]. أضف إلى ذلك تدنى الخصائص البشرية (الصحية – التعليميه – الاجتماعيه - الاقتصادية)، خصوصا الخصائص التالية :

· ارتفاع معدلات الأمية خاصة بين النساء، والزواج المبكر للإناث في مصر، وبالتالي الإنجاب المبكر. فلابد من رفع سن زواج الفتاة فى مصر إلى سن العشرين لكى تحصل الفتاة على حقها الطبيعى فى التعليم وتستطيع أن تساهم فى إختيار شريك عمرها وحتى يصبح الإنجاب فى سن مناسبة. أما عن مشاركة المرأة فى الحياة الإقتصادية والسياسية نجد أن نسبة مساهمة المرأة فى عضوية مجلس الشعب لا تتعدى 2% وفى مجلس الشورى 4% فقط وهما نسبتان ضئيلتان إلى حد بعيد، بينما أرتفع نصيب المرأة فى تولى المناصب القيادية من 7% عام 1988 إلى 15% عام 1998، وبلغت نسبة مشاركة المرأة فى الحياة الإقتصادية 18% عام 1984 زادت إلى حوالى 22% عام 1997.
· عمالة الأطفال : أشارت نتائج تعداد عام 1986 إلى أن هناك 1.4 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 11.6% من إجمالى قوة العمل، وقد أكدت نتائج بحث القوى العاملة بالعينة عام 1998 نفس الحجم تقريبا لعمالة الأطفال حيث بلغ 1.38 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 7.4 % من إجمالى قوة العمل. ترجع أسباب ظاهرة عمالة الأطفال إلى سببين هما: فقر الأسر التى يعمل أطفالها، واعتبار التعليم غير مجد لهذه الأسر حيث أن تعلم الطفل حرفة أفضل إقتصاديا للأسرة.
· ارتفاع معدلات وفيات الأطفال الرضع : بلغ معدل وفيات الأطفال الرضع حوالى 116 فى الألف عام 1970، إلا أن هناك تقدما ملحوظا حيث إنخفاض إلى 29 فى الألف عام 1998، إلا أن هذا المعدل لا يزال مرتفعا مقارنة بالدول المتقدمة.
· متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي : يعتبر ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي ذو صلة وثيقة بنجاح تنظيم الأسرة، حيث أظهرت البحوث الميدانية الخاصة بدراسة الخصوبة وتنظيم الأسرة أن الأسر الغنية هى الأسر الأكثر إقبالا على تنظيم الأسرة والأقل إنجابا للأطفال حيث أنها تريد الحفاظ على نفس المستوى الإقتصادى والإجتماعى، فى حين أن الأسر الفقيرة تعتمد على أطفالها فى زيادة دخلها نتيجة دفعهم إلى سوق العمل فى سن مبكرة.

الآثار المترتبة على الزيادة السكانية[2]:

1. ارتفاع معدلات البطالة وخاصة بين الخريجين الجدد.

2. ارتفاع عدد فرص العمل المطلوب توفيرها سنويا.

3. عدم القدرة على الإستيعاب الكامل في المدارس وتكدس الفصول وتعدد الفترات.

4. زيادة الواردات من السلع الإستهلاكية وبصفة خاصة القمح.

5. إرتفاع أعباء الحكومة نتيجة لزيادة حجم الدعم.

6- الهجرة الداخلية وتضخم المدن.

7. زيادة الاحتياجات من الوحدات السكنية.

8. الضغط الشديد على المرافق وخاصة مياه الشرب والصرف الصحى والطرق والمواصلات العامة.

مواجهة المشكلة السكانية :

أكدت دراسة حديثة حول المشكلة السكانية،أن مصر اختارت الطريق الأخلاقي الذي يراعي عادات وتقاليد المجتمع في مواجهة مشكلة الزيادة السكانية، وذلك عن طريق إقناع السيدات في مرحلة الإنجاب بأهمية المباعدة بين فترات الحمل باستخدام وسائل تنظيم الأسرة. وتابع الباحث: أن الطريق الأخلاقي هو الطريق الوحيد لمواجهة هذه المشكلة، مشيراً إلى أن مصر حققت نجاحاً بلغ إلى حدود إقناع ٦٠% من السيدات في مرحلة الإنجاب بالانضمام إلى برامج تنظيم الأسرة وتبني مفهوم الأسرة الصغيرة، إلا أنه منذ عام ١٩٩٧ وحتى اليوم لم يتحرك هذا الرقم كثيراً ودخل في حالة من التسطيح والثبات. وقال: أن وصول عدد المواليد الجدد إلى حدود ١.٨٥٠.٠٠٠ طفل جديد سنوياً يتزايدون كل عام، يمثل خطورة شديدة علي المجتمع في المستقبل القريب حيث أنه من المتوقع أن تصل هذه الزيادة بقوة الدفع الذاتي إلى حدود ٣.٢ مليون طفل جديد في عام ٢٠١٧ ليصل تعداد السكان وقتها إلى ١٠٢ مليون نسمة وليس كما هو متوقع حالياً، فأسوأ التقديرات تصل بهذا العدد إلى ٩٦ مليون نسمة وهذا ليس صحيحاً وهو ما يدعو إلى ضرورة المبادرة لمواجهة هذا الخطر فوراً ودون أي تأخير.

وكشفت الدراسة عن العديد من نقاط الخلل في البرامج السكانية وأهمها عدم استيعاب المجتمع المصري خطورة المشكلة السكانية وأبعادها والانعكاس المباشر لهذه المشكلة علي مستواه المعيشي، مع وجود قصور شديد في توصيل الرسالة الإعلامية المناسبة، وكذلك نمطية وتضارب الخطاب الديني اللازم لمواكبة عملية توصيل الرسالة الإعلامية، المرحلة المقبلة؛ إذ يتم التعامل مع المشكلة السكانية في مصر علي اعتبار أنها مشكلة طبية، ولذا شاب القصور جميع البرامج التي قامت بها وزارة الصحة والسكان للتعامل مع المجتمع، حيث كان مفهوم مشاركة المجتمع يتم تنفيذه علي استحياء في بعض القري وبعض المحافظات. ومن ثم فإن التعامل مع المشكلات القومية باعتبارها مشاريع صغيرة متفرقة في بعض القري أسلوب محكوم عليه بالفشل،إلى جانب الإفلاس الفكري حيث يتم حالياً اقتباس عشوائي للمشاريع السكانية من تجارب مجتمعات أخري دون اعتبار لخصوصية وتفرد المجتمع المصري، ويتم تنفيذها بمجهودات وأموال تذهب في النهاية أدراج الرياح بل بانعكاس سلبي حاد علي المفهوم العام لتنظيم الأسرة لدي المجتمع. والحق أنه لا يوجد برنامج واحد علي مستوي دول العالم يصلح للتطبيق في مصر حتي تلك البرامج التي يتشدقون بنجاحها في الدول الإسلامية كإيران وتونس، فلكل مجتمع خصوصيته، والمجتمع المصري متفرد عن هذه الشعوب وله خصوصياته وموروثاته الثقافية والاجتماعية التي يجب علينا مراعاتها بدقة وعناية عند وضع أي خطط أو برامج لمواجهة المشكلة السكانية في مصر[3].

وترتكز الخطّة القومية للسيطرة على الزيادة السكانية على أربعة محاور، يتمثّل الأول في نشر الوعي المجتمعي لتبني الأسرة الصغيرة عائلة مكوّنة من طفلين فقط، بينما يتمثّل المحور الثاني في تحسين وضع المرأة من خلال التعليم والعمل والاهتمام بصحّتها، حتى تكون صاحبة قرار في تحديد عدد أطفال أسرتها. وينص المحور الثالث على الارتقاء بمستوى الخدمات الصحّيّة والانجابية وتنظيم الأسرة، في حين ينص المحور الرابع على الاهتمام بمتابعة وتقييم هذه الخطّة بصورة ترفع كفاية نظم المعلومات السكانية. أما كيفية الوصول إلى الاستقرار السكانى (طفلان لكل أسرة عام 2017) فيستلزم اتباع السياسات التالية [4]:

1- اعتبار الإنفاق فى المجال السكانى جزءاً أساسياً من استثمارات الدولة التى يجب على المجتمع توفيرها ، على أساس أن التنمية البشرية الشاملة سوف تؤدى إلى تعظيم الانتفاع بمجمل موارد المجتمع . وزيادة الإنفاق العام على التعليم والصحة والثقافة، باعتبارها الأركان الثلاثة الأساسية اللازمة للتنمية البشرية الشاملة إضافة إلى النهوض بدور المرأة فى المجتمع.

2- مراجعة القوانين والتشريعات التى قد تتعارض مع أهداف وفلسفة السياسات السكانية. وضرورة تفعيل وتشديد القوانين والتشريعات التى تحد بل تمنع البناء على الأراضى الزراعية أو تحميلها لأى نشاط آخر.

3. التأكيد على أهمية التربية السكانية بالمدارس والجامعات والعمل على تطوير الخطط والبرامج الدراسية بحيث تصبح مادة إجبارية ضمن المناهج الدراسية.

4- التأكيد على استمرار إعداد وتدريب الطبيب والفريق الصحى فى مجال تنظيم الأسرة والارتباط المستمر بينه وبـين المجتمع.

5- العمل على تضييق الفجوة بين المعرفة بتنظيم الأسرة والممارسة الفعلية للتنظيم من خلال تحفيز المستهدفات على استخدام وسائل تنظيم الأسرة وإقناعهن بضرورة المباعدة بين كل حمل وآخر، وتأكيد أهمية الرضاعة الطبيعية لمدة سنتين، مع بيان أخطار الحمل المتكرر الذى يؤدى إلى ارتفاع نسبة وفيات الأمهات فى مصر. وتحفيز المواطنين على تطعيم أطفالهم ضد الأمراض الستة القاتلة وهى : شلل الأطفال، والتيتانوس، والدفتريا، والسعال الديكى، والدرن، والحصبة، وتوعيتهم بطرق الوقاية من أمراض الإسهال والجفاف.

6- التأكيد على أهمية توفير المعلومات على المستوى القومى، ومستوى الوحدات الإدارية الصغرى، وإجراء البحوث والدراسات ذات الصلة.

7- تشجيع الشباب على غزو الصحراء وتعميرها وزراعتها، مع إعطاء الأولوية لتعمير المشروعات الكبرى ، وتشجيع الإقامة والعمل فى المدن الجديدة .

8- التأكيد على أهمية دور الإعلام المرئي والمسموع والمقروء فى دفع وتحفيز جهود تنظيم الأسرة، مع تنويع الرسائل الإعلامية باختلاف المجتمع المستهدف، وخاصة غير المباشر منها، وتوفير التدريب اللازم لذلك. وزيادة الوقت المخصص لبرامج تنظيم الأسرة والبرامج السكانية، خاصة فى الشبكات المحلية بعد أن ثبت أن الإذاعة تلعب دوراً مهماً فى التعريف بتنظيم الأسرة فى الريف. وضرورة التنسيق بين مواعيد بث الموضوعات السكانية فى الشبكات الإذاعية المختلفة بحيث لا تذاع فى وقت واحد أو فى أوقات متقاربة . والاهتمام بتقديم البرامج السكانية فى الإذاعة والتليفزيون فى الأوقات التى ترتفع فيها كثافة الاستماع والمشاهدة .

9- التأكيد على قومية المشكلة السكانية، وعلى ضرورة إعتبارها من المشكلات العامة والحاكمة التى لا يمكن قصر مسئولياتها على قطاع أو وزارة بعينها، بل تقع المسئولية على كافة الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية وغير الحكومية والمؤسسات المعنية بالقطاع الخاص. وتعميق التعاون والتنسيق بين وزارة الصحة والسكان والوزارات الأخرى المعنية فى إعداد الخطط والسياسات السكانية والتنموية، والاضطلاع بدور حاسم فى التنفيذ والمتابعة؛ بغرض تعظيم وترشيد الجهود المجتمعية (حكومية وغير حكومية) فى كل ما يتعلق بالمسألة السكانية، وبحيث تكون علاقة المنظمات غير الحكومية بوزارة الصحة والسكان وأجهزتها نموذجاً يحتذى للتعـاون المثمر بين المنظمات الحكومية وغير الحكوميـة .

10- ضرورة تبنى المجتمع لبرنامج طموح لتنظيم الأسرة فى إطار برامج التنمية الشاملة، متضمنا برامج متكاملة تحقق نتائج أكثر إيجابية سواء بالنسبة لمستويات التنمية أو السيطرة على النمو السكانى، على أن يستهدف هذا البرنامج النزول بعدد الأطفال إلى طفلين فقط فى المتوسط لكل أسرة حتى عام 2017، وهو ما يتطلب أيضاً الوصول بنسب ممارسة تنظيم الأسرة إلى 75% من النساء المتزوجات فى سن الإخصاب. ولكى يحقق برنامج تنظيم الأسرة ثماره المرجوة، فلابد أن تتضافر الجهود الحكومية وغير الحكومية(جهود الأفراد والجماعات)، وأن يلتزم به - كما ذكرنا من قبل - المخططون والمنفذون ويقتنع به الممارسون . ومما هو جدير بالذكر أنه وطبقاً للدراسات فإن جملة الإنفاق فى مجال تنظيم الأسرة خلال الثمانية عشر عاماً القادمة وهو 2.6 مليار جنيه سوف توفر حوالى 78 مليار جنيه كانت ستنفق فى مجالات التعليم والصحة والإسكان ومياه الشرب والصرف الصحى ودعم السلع الغذائية للمواليد الجدد حتى عام 2017.

11- كسر حدة الزيـادة السـكانية (الزيادة الطـبيعية) وذلك بتفعيل أكثر لإقبال الشعب على استعمال وسائل تنظـيم الأسرة، وزيادة اسـتعمال الوسـائل ذات المفعول طويل المدى، والقضاء بشكل مستمر على الشائعات التى تؤثر على انتشار هذه الوسائل.

خاتمة :

الحق أن حجم السكان وخصائصهم يعتمد على طبيعة الظروف الاجتماعبة التي يعيشون فيها، وأنه بتغير هذه الظروف تتغير الخصائص السكانية؛ فالثابت تاريخيا أن عدد المصريين ارتبط ارتباطا إيجابيا بازدهار حضارتها، بمعنى تلازم زيادة حجم السكان وازدهار الحضارة، وعلى العكس من ذلك كان هناك تلازم بين فترات التدهور أو الركود الحضاري وانكماش حجم السكان في مصر، شأنهم في ذلك شأن بقية شعوب العالم حتي انقلبت هذه العلاقة رأسا على عقب في مجتمعات العالم، وظهرت بشكل عكسي واضح في النصف الثاني من القرن العشرين؛ إذ أصبح الازدهار والتقدم يرتبطان بانخفاض معدل الزيادة السكانية، بينما يرتبط التخلف بارتفاع هذا المعدل. والتفسير البسيط لهذه العلاقة الموجبة بين الازدهار الحضاري وحجم السكان قديما هو أن فترات الازدهار تعني وفرة في الإنتاج وقدرة على تزويد أعضاء المجتمع باحتياجاتهم الأساسية من غذاء وكساء ومأوى وظروف صحية أفضل، فينخفض معدل الوفيات، ويزداد معدل المواليد. أما في فترات الانحطاط والركود فيحدث العكس، حيث يرتفع معدل الوفيات، بفعل المجاعات والأمراض والأوبئة، وينخفض معدل المواليد، بفعل الظروف المعيشية المتدهورة.

ولكن ما حدث خلال القرن الماضي قلب هذه العلاقة رأسا على عقب؛ حيث أصبح التقدم يرتبط بانخفاض معدل الزيادة السكانية بينما يرتبط التخلف بارتفاع هذا المعدل. أما كيف حدث ذلك فيمكن إيراده على النحو التالي[5] :

1 - أدت الثورة الصناعية في البلدان الغربية إلى تقدم هائل في الفنون الإنتاجية وفي العلوم وإلى ارتفاع في مستوى المعيشة نجم عنه في البداية انخفاض في معدل الوفيات وارتفاع في معدل المواليد، وبالتالي ثورة سكانية أو انفجارا سكانيا. وكانت الزيادة، في ذلك الوقت، مرغوبة ومفيدة لحاجة الإنتاج الصناعي للأيدي العاملة.

2 - ابتداءً من أوائل عشرينات وثلاثينات القرن العشرين استمر معدل الوفيات في الانخفاض، ولكن صاحب ذلك انخفاض في معدل المواليد؛ مما قلل من معدل الزيادة السكانية في البلدان الصناعية الغربية. ويرجع انخفاض معدل المواليد إلى أن النمو الصناعي قد أدى إلى :

أ – اختفاء نمط الأسرة التقليدي الذي كان سائدا في الاقتصاد الزراعي، وظهور نمط الأسرة الحديثة قليلة العدد؛ وذلك لما نجم عن النمو الصناعي من آثار تتمثل في :

- تعلم المرأة وخروجها للعمل.
- حدوث انفصال بين عمل المرأة الاقتصادي وعملها المنزلي.
- انفصال عملية تعليم وتدريب الأطفال والشباب عن العمل المنتج.
- ارتفاع مستوى دخل الفرد.
- اكتساب عادات وقيم وأنماط سلوك جديدة.
- أصبح الأطفال والشباب يمثلون كلفة اقتصادية على الأسرة؛ نظرا لطول فترة تدريبهم قبل دخول مجال العمل، مما جعلها تميل إلى تخفيض عدد الأطفال.

ب – أن التطور السريع في الفنون الإنتاجية لم يعد في حاجة إلى كثرة الأيدي العاملة بفعل عمليات الميكنة الذاتية. وهكذا ارتبط انخفاض معدل الزيادة السكانية بالتقدم الاقتصادي-الاجتماعي في البلدان الصناعية الغربية.

3 - أما في البلدان النامية، والتي لم تكن- بصفة عامة - أقل تقدما بكثير من البلدان الأوربية عشية الثورة الصناعية، حيث كان الفرق بينها وبين أوروبا فرقا كميا أكثر منه كيفيا، فإنها بعد أن تعرضت للاستعمار ونهب ثرواتها واستنزافها وتوقف نمو سكانها الاقتصادي، ظلت بلدانا زراعية في الأغلب ولم تشهد تصنيعا يذكر، بل إن من بينها ما تعرض لتوقف صناعته المتقدمة، مثل مصر أيام محمد علي، والهند. وقد شهدت هذه البلدان تزايدا ملحوظا في معدل نمو سكانها، في البداية، نظرا للانخفاض النسبي الذي طرأ على معدلات الوفيات، بفعل الحد من عوامل الأمراض والأوبئة من قبل المستعمرين لتوفير ظروف مناسبة لمعيشتهم، وبفعل توفير فرص عمل في المشروعات اللازمة للمستعمرين، مثل : الطرق والسكك الحديدية والموانئ...الخ. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية طرأ انخفاض كبير على معدل الوفيات؛ نظرا لإدخال الأساليب الجديدة للوقاية من الأوبئة والأمراض مثل ال D.T.T. والتطعيم، ولكن ظل معدل المواليد على ما هو عليه؛ لأنه لم تحدث تغيرات هيكلية في الاقتصاد مثل تلك التي حدثت في البلدان الصناعية، واستمر بها نمط الأسرة التقليدية كبيرة العدد الملائمة لها.

ولم يكن الانخفاض الذي طرأ على معدل الوفيات في الدول النامية راجعا إلى عوامل داخلية، كما هو الحال في دول غرب أوروبا، بل كان – في أغلب الأحوال – نتيجة لعوامل خارجية. فمنذ الحرب العالمية الثانية، لم تتغير ظروف الإنتاج، ولا أوضاع الحياة الاقتصادية والاجتماعية، على نحو يبرر داخليا الانخفاض الهائل والسريع الذي طرأ على معدل الوفيات، كما لم توجد بعد الظروف أو البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على تخفيض معدل المواليد؛ فما زالت غالبية هذه الدول دولا زراعية، وما زال الجزء الأكبر من سكانها يعملون بالزراعة، ويعيشون بالريف، ولا تزال جزءاً لا يتجزء من السوق الرأسمالي العالمي، وفي حالة تبعية شبه كاملة لهذه السوق، وما زال متوسط دخل الفرد وإنتاجيته منخفضين، وما زال مستوى المعيشة للسواد الأعظم من السكان منخفضا، بل ويعيشون على حد الكفاف، ويقع جزء مهم منهم تحت خط الفقر المطلق[6].

وهذه الأوضاع هي عكس الأوضاع التي سادت دول غرب أوروبا من حيث حدوث تحسن واضح في مستوى دخل الفرد، وفي الرفاهية العامة، وفي سرعة التحول إلى الصناعة والإنتاج الكبير وتطوير فنون الإنتاج والبحث العلمي والطبي. وهي أمور لا يخفى ما لها من تأثير كبير في خفض معدل الوفيات، بل إن هذه الأمور هي التي عملت من جهة أخرى على خفض المواليد. وعلى هذا فإن معدل المواليد المرتفع في البلدان النامية لن ينخفض إلا بحدوث تغييرات جوهرية في هذه البلدان يترتب عليها الاتجاه إلى التصنيع؛ مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى المعيشة، وارتفاع مستوى التعليم، واشتغال المرأة[7].

ومما يدلل على صحة هذه الاستنتاجات توزيع سكان مصر على الريف والحضر؛ فغالبية سكان مصر تعيش في الريف، حيث يسود نمط الإنتاج الزراعي، على الرغم من انخفاض هذه النسبة من 82% عام 1907 إلى 56% عام 1986. ولكن زيادة نسبة سكان المدن التي تكشفها الأرقام السابقة لا تعني التحول إلى نمط النشاط الإنتاجي الصناعي، كما هو الحال بالنسبة للبلدان الصناعية التي نمت فيها المدن – أساسا – بفعل التصنيع، ولكنها تعني مجرد بعض الزيادة في النشاط الصناعي في المدن، علاوة على ميل سكان الريف للهجرة إلى المدن للبحث عن فرص أفضل للعمل وللحياة، وازدياد النشاط في مجال الخدمات والأعمال الهامشية، فضلا عن القرارات الإدارية بتغيير تسمية بعض المناطق من قرى إلى مدن. ومما يؤكد صدق ارتباط ارتفاع معدل المواليد بنمط النشاط الإنتاجي(صناعي أم زراعي)، المقارنة بين المعدل في ريف مصر وبينه في حضرها، فمعدل المواليد في الريف المصري أعلى منه في الحضر؛ حيث ينخفض إلى 31.5 في الألف في أكثر مناطق مصر تحضرا وابتعادا عن النشاط الزراعي (القاهرة والاسكندرية)، ويرتفع إلى 45.5 في الألف في أكثر مناطق مصر تريفا (ريف الوجه القبلي).

ومع أن مصر قد شهدت بعضا من النمو الصناعي، إلا أنه ظل محدودا بفعل التقسيم الدولي للعمل واحتكار الدول الرأسمالية الصناعية للسوق العالمي والتجارة الدولية، وتغلغلها داخل السوق المصري – ذاته – بمنتجاتها التي لا تستطيع المنتجات المصرية منافستها؛ نظرا لعدم التطور التكنولوجي في مصر. وما زال القطاع الصناعي لا يسهم بأكثر من خمس الناتج القومي الكلي. كما أن نسبة القوى العاملة في الصناعة لا تتعدى 12.7% في مقابل 46.6% في الزراعة. أي أن دور الصناعة في بناء الاقتصاد القومي المصري ما زال دورا ضئيلا، كما أن الصناعة المصرية تتسم بالاعتمادية على الخارج؛ حيث تستورد معظم الموارد اللازمة لها. أضف إلى ذلك أن توزيع الصناعة في مصر يتسم بالتركيز الشديد في مناطق محدودة جدا من القطر المصري، حيث تتركز الصناعات في مدينة القاهرة الكبرى، والاسكندرية، ثم الغربية والبحيرة حيث صناعة النسيج. ومعنى هذا أنه، فيما عدا هذه المناطق يسود نمط النشاط الإنتاجي الزراعي، وما يصاحبه من أسلوب حياة وظروف اقتصادية واجتماعية يثبت ارتباطها بارتفاع معدل المواليد في مصر.

وقد قامت "ساره لوزا" بإجراء دراسة ميدانية عن العلاقة بين التصنيع والخصائص السكانية والسلوك الإنجابي؛ حيث قارنت بين السكان في بعض المناطق الصناعية والسكان في المناطق الريفية، وخرجت منها بنتائج تؤكد العلاقة بين التصنيع وانخفاض معدل المواليد ومعدل الزيادة السكانية، نجملها فيما يلي :

1. يؤدي التصنيع إلى تحول البيئة التي يعيش فيها الناس إلى بيئة حضرية تتسم بارتفاع المستوى الاجتماعي والثقافي والتعليمي والصحي للسكان، وازدياد كافة مرافق الخدمات الخاصة بها، كما تتسم بتحسن وسائل النقل والمواصلات والاتصالات، وتتوفر فيها الكهرباء والمياه، وتزداد فرص العمل والنمو الاقتصادي.

2. تؤثر البيئة التي يعيش فيها الناس على أنماطهم السلوكية، بوجه عام، أكثر من تأثير نوعية العمل الذي يقومون به؛ فالعمال الذين يعيشون في بيئة ريفية، وينتقلون للعمل في المصانع، لا يتأثرون، في أنماطهم السلوكية، مثل الذين يقيمون في البيئة الحضرية الصناعية.


3. وضحت النتائج ارتباط البيئة الحضرية الصناعية بتأجيل سن زواج الإناث، واستخدامهن لوسائل منع الحمل، وقصر فترة إدرار لبن الثدي، وهي عوامل ثلاثة تؤثر على خصوبة المرأة.

4. أكدت النتائج ارتباط البيئة الحضرية الصناعية بأسلوب حياة الأسرة، من حيث ارتفاع مستوى الاستهلاك والدخل السنوي للفرد، ودرجة تحضر الزوجة ودرجة تعليمها، وارتفاع مستوى الاهتمام بتعليم الأطفال ورفاهيتهم، وانعكس ذلك كله على السلوك الإنجابي، فانخفض عدد الأطفال الذين تنجبهم الأسرة[8].

ويترتب عل ذلك أن التقدم أو التطور الاقتصادي الاجتماعي لمصر، وفقا لاستراتيجية قومية للتنمية الشاملة، يرتبط ارتباطا عضويا بموضوع تزايد السكان فيها؛ فهذه الاستراتيجية لابد أن تستغل كافة القوى البشرية المصرية في مشروعات إنتاجية ضخمة، وتعيد توزيع السكان على مساحة مصر الشاسعة من جهة، كما أن كل تقدم اقتصادي اجتماعي سوف ينعكس على معدل تزايد السكان من جهة أخرى؛ نظرا لتوفر الظروف الموضوعية لتقليل معدل المواليد ومعدل الخصوبة، والتحول للإنتاج الصناعي، وعمل المرأة، والتعليم، والثقافة، وارتفاع مستوى المعيشة...الخ.
[1] http://www.almushahidassiyasi.com/ar/6/5928
[2] http://www.geocities.com/ayahenawy/population.htm
[3] http://www.arabianbusiness.com/arabic/522070
[4] http://www.geocities.com/ayahenawy/population.htm
[5] رمزي زكي، المشكلة السكانية وخرافة المالتوسية، عالم المعرفة، الكويت، 1984. ص ص 257-334.
[6] المرجع السابق، ص 333.
[7] سمير نعيم أحمد، أهل مصر : دراسة في عبقرية البقاء والاستمرار، المؤلف، ط1، 1993 ص ص 23- 24.
[8] Sarah Loza, Industrialization and Population Dynamics and Characteristics, The Supreme Council for Population and Family Planning, Research Monographs, No.9 P14.

الأبعاد الاجتماعية للمشكلة السكانية


التعريف بالمشكلة السكانية:
هي عدم التوازن بين عدد السكان والموارد والخدمات وهي زيادة عدد السكان دون تزايد فرص التعليم والمرافق الصحية وفرص العمل وارتفاع المستوى الاقتصادي فتظهر المشكلة بشكل واضح وتتمثل بمعدلات زيادة سكانية مرتفعة ومعدلات تنمية لا تتماشى مع معدلات الزيادة السكانية وانخفاض مستوى المعيشة، أي أنه لا ينظر إلى الزيادة السكانية كمشكلة فى حد ذاتها وإنما ينظر إليها فى ضوء التوازن بين السكان والموارد فهناك كثير من الدول ترتفع فيها الكثافة السكانية ولكنها لا تعانى من مشكلة سكانية لأنها حققت توازنًا بين السكان والموارد. والمشكلة السكانية لا تتمثل فقط بالزيادة السكانية إنما تتمثل أيضاً بالنقصان السكاني، وبالتالي فإن الأزمات والمشكلات المرتبطة بالمشكلة السكانية تعرب عن نفسها من خلال نقص الأيدي العاملة وتدني مستوى الانتاجية ومشاكل مرتبطة بالأسرة.. الخ، بهذا المعنى نجد أن المشكلة السكانية لا يوجد لها قانون عام ولا تأخذ نفس المعنى والنتائج نفسها في كل المجتمعات وعلى اختلاف المراحل، بل لكل مجتمع ولكل مرحلة معطياتها الاقتصادية.. الخ هي التي تحدد طبيعة هذه المشكلة السكانية.
وتنبع المشكلة السكانية في مصر أساساً من عدم التوازن بين عدد السكان الذي بلغ حتى مايو 2008 حوالى ٧٨.٧ مليون نسمة، وفقاً لآخر تعداد سكاني، وبين الموارد والخدمات، وهو ما يفسّر عدم إحساس المصريين بثمار التنمية. وقد وصل عدد السكان إلى نحو 7ر76 مليون نسمة في تعداد عام 2006 مقابل نحو 5ر61 مليون نسمة في تعداد عام 1996 بارتفاع بلغت نسبته 7ر24 في المئة في عشرة أعوام. وتوقع مسح ديموغرافي أخير أن يصل عدد سكان مصر إلى نحو 6ر94 مليون نسمة بحلول عام 2017 ونحو 6ر118 مليون نسمة بحلول عام 2030 في حال ثبوت معدل الإنجاب الكلي الحالي. أضف إلى هذا ارتفاع الكثافة السكانية التي نتفوق بها علي الصين حيث تبلغ هناك حوالي ٩00 في الكيلو متر المربع بينما هي ٢000 بنفس الوحدة في بلدنا التي تبلغ إجمالي مساحتها مليون كيلو متر مربع بينما يعيش 84% من السكان على مساحة 6% من المساحة الكلية لمصر.

كما لا تقتصر المشكلة السكانية في مصر على زيادة عدد السكان فقط، بل أيضاً على التوزيع العمري لهؤلاء السكان، حيث إن نسبة كبيرة من سكان مصر تحت سنّ الـ١٥ عاماً، بالإضافة إلى النمو الحضري العشوائي الذي أدى إلى تفاقم المشكلة، بسبب سوء توزيع السكان على رقعة الدولة، حيث يمثل سكان الحضر حوالى ٥٦.٩١٪ من إجمالي سكان مصر، وهو ما يعني انخفاض العاملين في الزراعة، وقلّة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها، وهو ما يؤدّي إلى الفجوة الغذائية. أضف إلى ذلك تدنى الخصائص البشرية (الصحية – التعليميه – الاجتماعيه - الاقتصادية)، خصوصا الخصائص التالية:
· ارتفاع معدلات وفيات الأطفال الرضع : بلغ معدل وفيات الأطفال الرضع حوالى 116 فى الألف عام 1970، إلا أن هناك تقدما ملحوظا حيث إنخفاض إلى 29 فى الألف عام 1998، إلا أن هذا المعدل لا يزال مرتفعا مقارنة بالدول المتقدمة.
· انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال: تحسن الأوضاع الصحية أدى إلى انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المواليد مما ترتب عليه زيادة عدد السكان. في حين أن تحسن الأوضاع الصحية أدى إلى زيادة متوسط عمر الفرد مما ترتب عليه زيادة كبار السن وزيادة نسبة الإعالة.
· عدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة بالرغم من الرغبة في منع أو تأجيل الحمل خوفاً من الآثار الجانبية للوسائل‏. وقصور دور الإعلام الجماهيري، وعدم كفاية الرائدات الريفيات.
· ارتفاع معدلات الأمية خاصة بين النساء، والزواج المبكر للإناث في مصر، وبالتالي الإنجاب المبكر. فلابد من رفع سن زواج الفتاة فى مصر إلى سن العشرين لكى تحصل الفتاة على حقها الطبيعى فى التعليم وتستطيع أن تساهم فى إختيار شريك عمرها وحتى يصبح الإنجاب فى سن مناسبة.
· انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي : يعتبر انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي ذو صلة وثيقة بنجاح تنظيم الأسرة، حيث أظهرت البحوث الميدانية الخاصة بدراسة الخصوبة وتنظيم الأسرة أن الأسر الغنية هى الأسر الأكثر إقبالا على تنظيم الأسرة والأقل إنجابا للأطفال حيث أنها تريد الحفاظ على نفس المستوى الإقتصادى والإجتماعى، فى حين أن الأسر الفقيرة تعتمد على أطفالها فى زيادة دخلها نتيجة دفعهم إلى سوق العمل فى سن مبكرة.
· عمالة الأطفال : أشارت نتائج تعداد عام 1986 إلى أن هناك 1.4 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 11.6% من إجمالى قوة العمل، وقد أكدت نتائج بحث القوى العاملة بالعينة عام 1998 نفس الحجم تقريبا لعمالة الأطفال حيث بلغ 1.38 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 7.4 % من إجمالى قوة العمل. ترجع أسباب ظاهرة عمالة الأطفال إلى سببين هما: فقر الأسر التى يعمل أطفالها، واعتبار التعليم غير مجد لهذه الأسر حيث أن تعلم الطفل حرفة أفضل إقتصاديا للأسرة.
ويرى البعض أن الطموح الاجتماعي والاقتصادي للأفراد ورغبتهم في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية داخل البناء الطبقي يمكن أن يشكل أبرز الدوافع للأخذ بوسائل تنظيم الأسرة. وأوضح ديمون أن الخصوبة السكانية تتناسب تناسبا عكسيا مع الارتقاء الاجتماعي؛ فالفرد يميل إلى الصعود إلى مستويات أعلى من بيئته وهو، في هذا الصعود، يصبح -من وجهة النظر الثقافية- أقل اهتماما بموضوع الإنجاب؛ إذ ينشغل بالتقدم الشخصي عن إنجاب الأطفال. ويرى فرانكFrank أن أكثر الأسر استقرارا وثراءً هي –في الواقع– أكثرها خوفا من الفقر؛ فالأسرة الغنية تخشى تفتيت الملكية على عدد كبير من الأبناء فتلجأ لتنظيم النسل، أما الأسرة الفقيرة فتعتبر الأطفال أحد العوامل الأساسية لزيادة دخل الأسرة ويتم ذلك بدخول هؤلاء الأبناء سوق العمل والإنتاج في سن مبكرة نسبيا، والأثرياء وحدهم يعلمون أن تقسيم الملكية بين كثير من الأبناء سوف يجعل هؤلاء الأبناء عاجزين عن الاحتفاظ بمكانتهم في المجتمع[1].

القيم الاجتماعية المرتبطة بالإنجاب:
تشير القيم إلى تصورات معينة يرغب فيها الناس أما الاتجاهات فتتضمن المواقف التي يتخذها الأفراد في مواجهة القضايا المحيطة بهم. وتتكون من أبعاد معرفية وسلوكية وانفعالية بشأن الوجود الاجتماعي.
ولاشك أن نسق القيم في المجتمع هو الذي يحدد العدد المناسب من الأطفال والنوع المفضل (ذكور أم إناث)، والقيم الخاصة بالطفولة ومعاملة كبار السن، ونظرة الأفراد للهجرة الداخلية إلى المدن، واتجاه المجتمع نحو اشتغال المرأة خارج المنزل وأي الأعمال يستحسن أن تشتغل بها، والموقف من تنظيم الأسرة والإجهاض والسن المفضل للزواج، وغيرها.
ويشير لوريمر Lorimer إلى الفروق الثقافية في القيم وأثرها في الموقف من الخصوبة؛ ففي بعض الثقافات التقليدية تتجه القيم إلى تقديس العائلة الكبيرة، وقد يؤدي الجمود العقائدي إلى الإسراف في الإنجاب، ولايتم الأخذ بوسائل تنظيم الأسرة. ومن ثم فقد يؤدي ذلك إلى إعاقة مشاريع التنمية الاجتماعية برمتها.
ومن المعتقد أن نسق القيم المتأثر بالتصنيع والتحضر والزراعة الآلية يكون –عادة– أكثر مرونة -لتأثره بالتغيرات الاجتماعية السريعة في المجتمع– من نظيره في المجتمعات التقليدية[2]. وقد قامت "ساره لوزا" بإجراء دراسة ميدانية عن العلاقة بين التصنيع والخصائص السكانية والسلوك الإنجابي؛ حيث قارنت بين السكان في بعض المناطق الصناعية والسكان في المناطق الريفية، وخرجت منها بنتائج تؤكد العلاقة بين التصنيع وانخفاض معدل المواليد ومعدل الزيادة السكانية، نجملها فيما يلي[3]:
1. يؤدي التصنيع إلى تحول البيئة التي يعيش فيها الناس إلى بيئة حضرية تتسم بارتفاع المستوى الاجتماعي والثقافي والتعليمي والصحي للسكان، وازدياد كافة مرافق الخدمات الخاصة بها، كما تتسم بتحسن وسائل النقل والمواصلات والاتصالات، وتتوفر فيها الكهرباء والمياه، وتزداد فرص العمل والنمو الاقتصادي.
2. وضحت النتائج ارتباط البيئة الحضرية الصناعية بتأجيل سن زواج الإناث، واستخدامهن لوسائل منع الحمل، وقصر فترة إدرار لبن الثدي، وهي عوامل ثلاثة تؤثر على خصوبة المرأة.
3. أكدت النتائج ارتباط البيئة الحضرية الصناعية بأسلوب حياة الأسرة، من حيث ارتفاع مستوى الاستهلاك والدخل السنوي للفرد، ودرجة تحضر الزوجة ودرجة تعليمها، وارتفاع مستوى الاهتمام بتعليم الأطفال ورفاهيتهم، وانعكس ذلك كله على السلوك الإنجابي، فانخفض عدد الأطفال الذين تنجبهم الأسرة.
غير أن أبرز النظم المؤثرة في نسق القيم والاتجاهات في أي مجتمع من المجتمعات تتمثل في النظام التعليمي؛ فبقدر ازدياد اهتمام السكان بالتعليم وخاصة بالنسبة للفتاة، يتأثر سن الزواج، كما تتأثر الاتجاهات الخاصة بالسلوك الإنجابي وتنظيم الأسرة –بالضرورة– بالتعليم، بل إن بعض الظواهر مثل: الطلاق، وتعدد الزوجات تتأثر –بصورة جلية– بالتعليم، وهو ما يبدو واضحا في المدن التي تزداد معدلات التعليم فيها يزداد اهتمام الأسر فيها بالأخذ بوسائل تنظيم الأسرة[4].
وتنتشر في المجتمع المصرى بعض القيم المرتبطة بزيادة النسل والإنجاب مثل: زيادة عدد الأولاد يؤدى إلى ربط الزوج، والرغبة في إنجاب الذكور، كثرة الإنجاب والرغبة في تكوين عزوة، زيادة الإنجاب للمساعدة في العمل في المجتمعات الزراعية. وشيوع معتقدات دينية خاطئة عند بعض الفئات من المجتمع، وضعف الاقتناع بمبدأ طفلين لكل أسرة مع عدم وضوح الفرق بين انجاب طفلين أو ثلاثة أطفال لدي كثير من الأسر بالاضافة الي رغبة الأسرة في إنجاب طفل من كل نوع حتي ولو اضطرهم ذلك الي انجاب طفل ثالث للحصول علي النوع المطلوب وخاصة الطفل الذكر وهو مايعتبر من الموروثات الاجتماعية الخاطئة‏.
مواجهة المشكلة السكانية:
للتغلب على المشكلة السكانية بآثارها الاقتصادية والاجتماعية لابد من السير في اتجاهين هما: تنظيم الأسرة، والتنمية الاقتصادية. وأن تركز السياسة الشاملة على مواجهة الأبعاد الثلاثة المتعلقة بالمشكلة وهى النمو والتوزيع والخصائص. ومن أساليب مواجهة المشكلة السكانية:
1- زيادة الإنتاج والبحث عن موارد جديدة. والاهتمام بتوفير فرص العمل للقضاء علي الفقر وإنشاء مشروعات صغيرة خاصة في المناطق العشوائية وذات الزيادة السكانية ويفضل الاستفادة من فكرة بنك القروض المتناهية في الصغر(بنك جرامين).
2- الحد من زيادة السكان بإصدار التشريعات، مثل: رفع سن الزواج، وربط علاوات العمل والاعفاءات الضريبية بعدد الأبناء، بمعنى إعفاء الأسر محدودة الدخل من أنواع معينة من الرسوم والضرائب أو منحها تأمينا صحيا شاملا أو الحصول علي دعم غذائي مجاني أو منح الأم التي تبلغ الخمسين مكافأة مالية إذا التزمت بطفلين وترفع عنها هذه المميزات إذا تجاوزت هذا الشرط‏. وتقديم حوافز للقري والمدن التي تحقق انضباطا في وقع الزيادة السكانية عبر خدمات ومشروعات تقام فيها‏.‏ ‏والاستفادة من تطبيق القوانين التى صدرت مؤخراً، وخاصة قانون الطفل الذى يجرم عمالة الأطفال كأحد المداخل المهمة وغير المباشرة لمواجهة المشكلة السكانية.
3- يجب وضع إستراتيجية إعلامية متكاملة تستهدف إقناع الأسر المصرية بثقافة الطفلين فقط، والربط بين القضية السكانية والقضايا الأخرى المتصلة بها مثل الأمية والمساهمة الاقتصادية للمرأة وعمالة الاطفال والتسرب من التعليم، وتنمية الثقافة السكانية والتوعية بمشكلاتها.
4- عودة القطاع الخاص للمساهمة في حل المشكلة السكانية أصبح ضرورة ملحة ممثلا في قطاع رجال الأعمال والشركات الكبري وصولا إلي المساجد والكنائس والمدارس الريفية وذات الفصل الواحد.
5- الاهتمام بالخصائص السكانية وتبني برامج فعالة للتنمية البشرية في محو الأمية والتعليم والصحة لمردودها المباشر علي السكان.
6- من الأهمية بمكان التركيز علي فئة الشباب لترسيخ مفاهيم الأسرة الصغيرة والتخطيط الإنجابي والمساواة بين الجنسين حيث انهم يمثلون آباء وأمهات المستقبل وهم الطريق الي تحقيق الهدف القومي المتمثل في طفلين لكل أسرة‏. ويمكن أن يساهم الشباب في حل هذه المشكلة عن طريق نشر التوعية والتحذير من خطورة الزيادة السكانية وأثرها على التنمية. ويمكنهم المساعدة في التخطيط السكاني عن طريق البحوث الميدانية للمشكلة؛‏ لمساعدة متخذي القرار‏.‏ ويجب على الشباب المشاركة التطوعية في العمل العام‏,‏ وعلى منظمات المجتمع المدني أن ترحب بعمل الشباب التطوعي من الجنسين.
7- تفعيل فكرة التوزيع السكاني من خلال خطط جذب السكان للمناطق الجديدة، وغزو الصحراء وإعادة النظر في خريطة توزيع السكان؛ فمصر من الناحية العددية تستوعب ضعف عددها الحالي ذلك أن المصريين يعيشون على 6% من مساحة مصر، بينما تحتاج 94% من مساحة مصر أن تكون مأهولةً بالسكان، وأن المصريين مكدَّسون في 3 محافظات، وباقي المحافظات بها خلخل سكاني رهيب.
8- زيادة الاهتمام بصعيد مصر؛ حيث إن 25% من سكان مصر يسكنون فى ريف الصعيد، وهم مسئولون عن 41% من الزيادة السكانية، كما أن للرجل فى صعيد مصر دورا مهما وكبيرا فى مواجهة المشكلة السكانية، حيث إن الرجل هو صاحب القرار فى الصعيد. ومن بين الأساليب غيرالتقليدية إحياء مشروع "الدوار"، وذلك لمناقشة الرجال فى كل ما يتعلق بتنطيم الأسرة، وسيكون لهم فاعلية فى إنجاح برامج تنظيم الأسرة وخاصه فى الريف، كما يجب إدخال رجال الدين والعمده، وجميع الفئات الفاعلة والعاملة فى هذا المجال خاصة المجالس الشعبية والتنفيذية.
[1] ثروت اسحق، علم الاجتماع ودراسة السكان، كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1986 ص ص 58-59.
[2] المرجع السابق ص ص 168-170.
[3] Sarah Loza, Industrialization and Population Dynamics and Characteristics, The Supreme Council for Population and Family Planning, Research Monographs, No.9 P14.
[4] وداد مرقص، دراسات تحليلية، جهاز تنظيم الأسرة والسكان، القاهرة، 1981 ص 43.

دور الجمعيات الأهلية في نشر ثقافة التطوع

تمثل الجمعيات الأهلية جزءاً من القطاع المجتمعي في المجتمعات الحديثة، وتقع تلك الجمعيات بين القطاعين العام والخاص. وتعد تلك الجمعيات بمثابة منظمات ربط ووصل بين مكونات المجتمع. وعلى الرغم من اختلاف الجمعيات من حيث الحجم، والأهمية، ومناط الاهتمام بين الدول والثقافات المختلفة، فإن لتلك الجمعيات وظائف متشابهة؛ فهي تناصر الفقراء والضعفاء، وتسعى للتغيير الاجتماعي، وتقدم الخدمات الاجتماعية، وفي بعض الدول تمثل الأداة الرئيسية لتوزيع ونشر الرفاهية الاجتماعية.

ويلاحظ من خلال واقع خبرات العمل الأهلي في بلاد عديدة من العالم أن الجمعيات الأهلية تنقسم إلى ثلاث فئات كبرى هي:
1- جمعيات تهدف إلى مساعدة الأفراد والأسر غير القادرة، بما في ذلك تلك التي تنشأ لغرض المساعدة الذاتية بين الناس غير القادرين، مثل: الجمعيات الأهلية الإسلامية.
2- جمعيات تتكون بناءً على اهتمام عام مشترك، أو بهدف العمل في مجال محدد ولأغراض تحقيق منافع جماعية، مثل: جمعيات حماية حقوق المستهلك.
3- جمعيات ذات طابع عالمي، مثل: جمعيات حماية البيئة، ودعم دور المرأة.

وفي ظل هذا العالم المتغير، تتضح حدود أبعاد دور الجمعيات الأهلية، وهذه الحدود تنطلق من خلال النظر إلى أهمية الاعتماد على مثلث متساوي الأضلاع (الدولة – القطاع الخاص – القطاع الأهلي)، وهذا المثلث إذا تساوت أضلاعه سوف يحل إشكالية التنمية عالمياً ومحلياً.

وتقوم فكرة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني على التعاون والتكامل بين الأطراف الثلاثة، مع تحديد مجالات العمل والنشاط لكل طرف، بهدف تعبئة أفضل لإمكانيات المجتمع، وإدارة أكثر رشاداً لشؤون الدولة. كما تقوم هذه الشراكة على تغير النظرة السائدة في كل دول العالم حول استناد التنمية في كل أصولها ونتائجها على دور الدولة - فقط - أو دور القطاع الخاص - فقط - حيث أصبح هناك اقتناع بأن تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة قائم - بصورة أساسية - على توفير فرص المشاركة لكل المجتمع بكل فاعلياته وبمختلف تنظيماته؛ فقد تطورت النظم الاقتصادية العالمية، وبالتالي تطورت النظم الاجتماعية في معظم المجتمعات، وحدث تغيير واسع باتجاه الاقتصاد الحر في أغلب دول العالم، وأصبح دور الدولة متغيراً، في الوقت الذي مازال دور الدولة مطلوباً وعليها مسؤوليات أساسية، ولكنها أصبحت تعتمد على القطاع الخاص في دور استراتيجي في التنمية، وأصبح – أيضاً- للقطاع الأهلي دور آخر كشريك كامل في التنمية. لذا تمثل الجمعيات الأهلية وحدات بنائية في المجتمع، بما تستهدفه من إشباع لاحتياجات الأفراد والجماعات لتحقيق التنمية المتواصلة المنشودة في المجتمع.

مفهوم التطوع:
يُعرف العمل التطوعي بأنه: "عملية إسهام المواطنين تطوعاً في أعمال التنمية، سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل أو غير ذلك".
أو هو "الجهد الذي يبذله الإنسان من أجل مجتمعه أو من أجل جماعات معينة، وفيه يتحمل مسؤوليات العمل من خلال المؤسسات الاجتماعية القائمة؛ إرضاءً لمشاعر ودوافع إنسانية داخلية خاصة تلقى الرضا والقبول من جانب المجتمع".
أو هو "الجهد والعمل الذي يقوم به فردٌ أو جماعة أو تنظيم طواعية واختياراً، بهدف تقديم خدمة للمجتمع أو لفئة منه، دون توقع جزاء مادي مقابل جهوده".

خصائص التطوع:
- جهد وعمل يلتزم به الفرد طواعية من غير إلزام.
- عمل غير مأجور مادياً.
- عمل يهدف إلى سد ثغرة في مجال الخدمات الاجتماعية.
- تنظيم محكوم بأطر إدارية مؤسسة جماعية (جمعيات عمومية، مجلس أمناء).
- تنظيم لا يهدف للربح المادي، ولا يستفيد منه أعضاء المؤسسة الذين يشرفون عليه، ولا يحققون أرباحاً شخصية توزع عليهم.
- تنظيم تحكمه تشريعات محددة تنظم أعماله، ويعتمد على الشفافية والاستقلالية والبعد عن الصراعات، والتكافل والأمانة والنزاهة والصدق والمساواة.

إن العمل التطوعي - بالخصائص السابق ذكرها - لا يتم في فراغ، لكنه بحاجة إلى التنظيم المحكم ليتمكن من تحقيق أهدافه بعيداً عن الارتجال والفوضى، ويستلزم ذلك توافر البنية التحتية والبيئية المشجعة على العمل التطوعي. وهناك عدة ثوابت لا بد وأن يتحلى بها العمل الأهلي التطوعي هي:
1. أن العمل التطوعي لا يتم سراً وإنما لا بد من إشهاره، ولا يأتي الإشهار وفقاً للتشريعات المعمول بها في الدول، ويشترط في معظم دول العالم ترخيص رسمي لإقامة مؤسسات العمل التطوعي.
2. أنه يجب أن يكون له نظام أساس يحدد أدوار كل المشاركين فيه، ويحدد أهداف المؤسسة ورسالتها ورؤيتها بشكل واضح.
3. توفير البيئة المناسبة لتشجيع واستقطاب المتطوعين وتأهيلهم وتدريبهم وتزويدهم بالمهارات المناسبة للعمل ضمن الأهداف التي وضعتها المؤسسة التطوعية لنفسها، ولا يجب الاكتفاء بمجرد النوايا الحسنة للمتطوعين.
4. يجب أن يحقق العمل التطوعي آمال واحتياجات فئات المجتمع المختلفة من: غذاء، وكساء، ومأوى، وأمن، واستقرار نفسي وأسري.

صفات المتطوعين:
المتطوع هو " الشخص الذي يتمتع بمهارات أو خبرات معينة، يستخدمها لأداء واجب اجتماعي عن طواعية وبدون توقع جزاء مادي مقابل عمله التطوعي ".
واستقطاب المتطوعين له دور فعَّال في حياة الأفراد والمجتمعات ومؤسسات التطوع؛ حيث يساعد في سد العجز الموجود في بعض المهارات التي يحتاجها المجتمع، كما أنه يساعد مؤسسات التطوع في التعرف على احتياجات المجتمع وتعريف المجتمع بخدمات وأنشطة مؤسسات التطوع.
والمتطوعون من أكثر المدافعين عن الأفكار والأهداف التي تقوم عليها الهيئات والمؤسسات، بالإضافة إلى أن وجودهم يقلل من الأعباء المالية على المؤسسات التطوعية، إضافة إلى أن التطوع يؤتي بثماره على المتطوعين أنفسهم؛ حيث يساعدهم على اكتساب خبرة استثمار أوقات الفراغ بطريقة مجدية، وإشباع الكثير من الحاجات النفسية والاجتماعية والانتماء والأمن.

وهناك معايير يجب أن تضعها مؤسسات التطوع في الاعتبار عند اختيار المتطوعين، ومن هذه المعايير السمعة الطيبة لدى المجتمع، وأن يكون لديه الوقت لأداء العمل التطوعي والخبرة في مجال العمل، ولديه القدرة على الاتصال والعلاقات العامة والقدرة على العمل بروح الفريق والثقة بالنفس والتأثير في الآخرين.

وهناك عدد من العوامل تساعد على تحسين أداء عمل المتطوعين بالمؤسسات التطوعية ومنها:
- جهاز إداري متعاون ومحل ثقة المجتمع.
- وضوح أهداف المؤسسة وبرامجها ومناسبتها لحاجة المجتمع.
- توافق رغبة المتطوع مع أهداف المؤسسة.
- وجود هيكل وظيفي متكامل بالمؤسسة.
- إعداد برامج تدريبية مناسبة للمتطوعين، ومتابعة مستوياتهم أولاً بأول، وتوجيههم نحو الأفضل.
ولكن هناك بعض العوامل التي تعوق عمل المتطوعين، ومنها: عدم وضوح الهدف من العمل بالنسبة لهم، واختلاف وجهات النظر بينهم وبين إدارة المؤسسة، وعدم تحديد دور معين يلتزم به المتطوع، وعدم أهليته للعمل المكلف به، وعدم الجدية والالتزام بتعليمات المؤسسة، وعدم التنسيق بين المتطوعين، وبعض القوانين التي تعوق عملهم.

ثقافة العمل التطوعى:
ليس التطوع برنامج مساعدات ورؤى اقتصادية وسياسية فقط. إنما التطوع فكرة أخلاقية تعكس علاقة الشراكة بين أفراد يتقاسمون العيش والفهم الثقافي المشترك على كوكب الأرض. وإن كان التطوع يخفف من فاقة أو عوز أو صدمة ما، فإنه بالمقابل يبني قدرة داخلية لدى المتطوع. قدرة تحسّن من فن إدارة التطوع، وتجعل منه لدى الأفراد أو المنظمات ليس مجرد جهود فيزيائية أو مالية، بل تتخطاها إلى بناء شراكة من المهارات والمعرفة. وبعيدا عن الحسابات الاقتصادية يتطور التطوع، مع المعرفة بثقافته، إلى بناء علاقات إنسانية قائمة على الاحترام المتبادل للاختلاف الثقافي. فالمتطوع الضيف ملزم أخلاقيا ومهنيا بتقديم مهاراته ومعارفه بصورة تتولد وتتوطد داخل تفاصيلها العلاقات وتبادل الخبرات. ولأن الافتقار إلى الطاقات والقدرات يتعايش مع قيود وعقبات التنمية، فإن توفير الطاقات وتنمية القدرات والكفاءات ،لدى الأفراد أو المنظمات، يعزز من الأداء التنموي ويؤازر فكرة العمل التطوعي بشدة. فالتطوع يتضمن الالتزام الطويل الأجل. وهو التزام الوجود، ضمن شروط جديدة، داخل بيئة جديدة استلزمت التطوع. فعلى المتطوع، ضمن الشروط الجديدة أن يطور من فهمه لعلاقات البيئة الجديدة بما يؤسس لفهم أكثر تطورا يسمح بتبادل المعارف والخبرات.

وقد رأى العديد من الباحثين أن أهم الركائز التى تدعم المنظمات الأهلية فكراً وممارسة وتعظيم القيم المضافة الفعالة لهذه المنظمات غير الحكومية وجود ثقافة نوعية تعزز العمل التطوعى على مستوى القيم والاختيار والأفعال والتصرفات وتنظيم العلاقات بين القوى والفئات الاجتماعية المختلفة بما توفره من ضوابط وتتيحة من فرص للتعليم الاهلى الذاتى، تسمى هذه الثقافة النوعية بثقافة العمل التطوعى لكن ما هى شروط هذه الثقافة وما هى العناصر المكونة لها. ويمكن تحديد أهم هذه الخصائص فى العناصر التالية:
1. أن تنطلق ثقافة العمل التطوعى من المصادر الدينية والأخلاقية والفلسفية، حيث أن الدين أدى ومازال يؤدى دوراً أساسيا فى تحفيز العمل الخيرى والتطوعي، فالإسلام باعتباره دين الغالبية العظمى من المجتمعات العربية حث على العطاء والتطوع والمساعدة للغير من خلال أركان الزكاة والصدقة التى ورد ذكرها فى القران الكريم اثنين وثلاثين مرة، ولكل من الزكاة والصدقة هدفها وهو الحث على مساعدة الآخرين بالمال والجهد وكافة صور الدعم والتى تسمى بفلسفة التكافل الاجتماعى.
2. ان تنطلق ثقافة العمل التطوعى من عقد اجتماعى وتشريعى ينظم العمل التطوعى وتقنينه بشكل رسمى فى إطار مسايرة التطورات العالمية والتشريعات الدولية التى تحافظ على العمل التطوعى والاجتماعى الشعبى وتدعيمه والاهتمام بالسياق الشامل القانونى للحقوق والحريات التى تعكس تنظيم العمل الاهلى وتوفر إطار تشريعى سليم يؤهل لتأسيس منظمات أهلية متطورة وتتوجة نحو احتياجات حقيقية للمجتمع.
3. يجب تعميق قيم أساسية لتعزيز ثقافة العمل التطوعى مثل قيم التضامن والتكامل والتكافل الاجتماعى والتسامح مع الآخرين وتدعيم قيم الإيثار والمواطنة والإخاء والمساواة والعدل وبروز أهمية قيم القدوة الايجابية فى التفكير والتصرف والسلوك اليومى.
4. يجب تنقية ثقافة العمل التطوعى من قيم التحيز والعصبية والاثنية والشكلية وتكريس المصالح الفردية والأنانية وقيم استغلال الاخرين وتطوير قيم التراث الايجابية التى تعلى من شان التعاون والتكافل والتضامن النابعة من تراثنا الثقافى فى العمل الخيرى واستحداث نسق عصرى لثقافة العمل التطوعى التى تؤكد أهمية الشراكة فى عملية التنمية.
5. وأخيراً يجب أن تنطلق ثقافة العمل التطوعى من محاولة إشباع الحاجات الأساسية للمهمشين والفقراء واتباع الأساليب التى تساعد على إدماجهم فى حركة المجتمع، وذلك فى إطار تنوع أنماط المنظمات الأهلية بحسب الاحتياجات التى يحتاجها البشر، فهناك المنظمات الرعائية التى تقدم الخدمات التعاونية والصحية والثقافية، والجمعيات الاهلية التنموية التى تسعى إلى تحويل البشر إلى منتجين من خلال صيغة المشروعات الصغيرة، إضافة إلى المنظمات الدفاعية، وهى التي يدخل في نطاقها جملة منظمات حقوق الإنسان بأنواعها المختلفة ثم الجمعيات الثقافية والعلمية التى تنشأ لإشباع الحاجات الخاصة بأعضائها أو تحقيق أهدافها.

ولكن ما سر نجاح العمل التطوعي، وكيف يمكن خلق فكرة التطوع وتحويلها إلى ثقافة تطوعية؟ يكاد أن يكون، بل هو كذلك، العمل المنظم صمام الأمان، أو الكلمة السحرية التي يفتتن بها العمل التطوعي. فالتنظيم يؤثر على ثقافة المنظمة التطوعية بمقدار ما يؤثر على شخصية المتطوع. وتبين دراسات اجتماعية، وتجارب تطوعية أنه لا يمكن لأي برنامج تطوعي أن يبصر النور إن لم يكن متوافقا مع الثقافة التنظيمية للمنظمة التطوعية، وأن يكون مكملا لها أيضا.

انطلاقا من ذلك على الجماعات أو المنظمات التطوعية أن تتنبه، في طور تطوير برامجها، إلى أهمية الثقافة التنظيمية. كذلك على قادة التطوع ، ومديري ورؤساء أي جهة تطوعية مؤسساتية، الاعتقاد والإيمان بأن فن إدارة الثقافة التنظيمية هو من أهم وأبرز المهام الملقاة على عاتقهم . وعندئذ تغدو إضافة مفهوم الثقافة التنظيمية إلى برنامج المتطوع مهمة أساسية من اجل إدارة ثقافة التطوع. وتصبح الثقافة التطوعية والثقافة التنظيمية صلة الوصل ما بين المتطوع من جهة، والمنظمة التطوعية من جهة ثانية. وإن أخذت المنظمة بذلك أم لم تأخذ، فإنه إذا أريد لبرنامج المتطوع أن ينجح لا بد من التركيز على ثقافتي التطوع والتنظيم كسلة واحدة. ولكن كيف يتم التركيز على الثقافتين كسلة واحدة؟ إنه التكيّف.

من أساليب منظمات التطوع ترك المتطوع، أحيانا، ليكتشف كل شيء بذاته. وتحديدا كيف يدخل مرحلة التكيف؟ وما توقعاته حول ذلك؟ وكيف تبنى توقعات منظمة التطوع على توقعات المتطوع؟ بعض المتطوعين يقرؤون أفكار المنظمة التطوعية وماذا تريد، وماذا لا تريد ؟ وبالمقابل تتوقع المنظمة أن المتطوع يعرف ماذا يريد، وماذا لا يريد، وكيف يريد؟ ولتعقيد الأمر أكثر تعمد بعض منظمات التطوع إلى إخفاء ديناميكية العمل عن المتطوع، بل يصل الأمر إلى اعتباره من أسرار المنظمة. وربما تحاول المنظمة إبداء رغبتها تجاه تنفيذ برنامج تطوعي ما. لكنها لا تضع المتطوع في صورة الإستراتيجية العامة، وتكتيك التنفيذ، لتوكّل المتطوع بنفسه. وربما يصل الأمر، أحيانا، إلى إخفاء أو حجب الثقافة التنظيمية عن المتطوع إلى درجة تقوم منظمة التطوع بوضع المتطوع على مسار الفشل. هذه الأساليب هي نوع من التدريب. وهو تدريب مكلف على الصعد كافة، لكنه ذو مردود جيد. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إن كان التكيف يقود إلى التركيز على ثقافتي التنظيم والتطوع من اجل نجاح برنامج المتطوع، فكيف يمكن الوصول إلى التكيف ؟ إنها التربية.

على منظمة التطوع أن تبدأ بمرحلة التربية مزامنة مع تفكيرها بالتخطيط لاستخدام المتطوع، وفي مرحلة الاستخدام الفعلي. وعلى قائد التطوع أن يطور أفكارا واضحة عن الثقافة التنظيمية واحتياجات المتطوع.فمن خلال أفكار مطورة يمكن تحديد صورة واضحة للمتطوع بما يتوافق مع المهام التي سينفذها، ونوع الثقافة التنظيمية التي سيعتمد عليها في العملية. وليس على قائد التطوع أن يوصل إلى المتطوع المهارات التي تحتاجها المنظمة فقط، بل لابد من تحقيق تواصل دقيق مع صفات المتطوع الشخصية، ومواقفه وتصرفاته، وجميع الاعتقادات، التي يراها القائد، ضرورية لنجاح برنامج عمل منظمة التطوع.

ووفقاً لذلك، فهناك عدد من المباديء التي يمكن أن تزيد من فاعلية دور الجمعيات الأهلية، وتتمثل فيما يلي:
1- القضاء على المعوقات التي تواجه عمل الجمعيات الأهلية، ومن أهمها: المعوقات الإدارية والتشريعية، وضعف مشاركة أفراد المجتمع المحلي، وعدم التوازن القطاعي والمكاني والنوعي.
2- استخدام التكنولوجيا الحديثة لتنسيق العمل التطوعي بين الجهات الحكومية والأهلية لتقديم الخدمات الاجتماعية وإعطاء بيانات دقيقة عن حجم واتجاهات وحاجات العمل التطوعي الأهم للمجتمع.
3- نشر الوعي بزيادة المساعدات التي يقدمها القطاع الخاص للجمعيات الأهلية كمجال من المجالات التي سيعود نفعها إلى القطاع الخاص فيما بعد، خاصة من ناحية تأييد ودعم القطاع الخاص من جانب أفراد المجتمع.
4- زيادة عدد الندوات لتوعية المجتمع بدور الجمعيات الأهلية.
5- تفعيل دور الجمعيات الأهلية فى تمكين المواطن من ممارسة حقوقه السياسية، باعتبارها من مؤسسات المجتمع التى يتعلم من خلالها المواطن ممارسة حقوقه فى التعبير عن رأيه فى القضايا العامة والمساهمة فى وضع وتنفيذ حلول للمشاكل التى يواجهها المجتمع، بالإضافة لممارسة تجربة الديمقراطية واكتساب الخبرة فى الترشيح والانتخاب لعضوية مجلس الإدارة.
6- تفعيل دور الجمعيات الأهلية فى تمكين المواطن من المشاركة من خلال ما يلى:
ـ تدعيم وتفعيل وتوفير التمويل لمشروعات الجمعيات الأهلية .
ـ تشجيع الشباب على تكوين جمعيات أهلية جديدة
- إعداد برنامج لنشر ثقافة التطوع وتنمية الشعور بالانتماء وتشجيع المشاركة الشعبية.
- تدعيم مفهوم المشاركة بين الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص والحكومة فى عملية التنمية
7- تصميم وتنفيذ مشروع قومى لعمل الشباب المتطوع خلال أجازة الصيف سنوياً وطوال العام بالنسبة للشباب الذى ينتظر فرصة للعمل، على أن يتم التنفيذ بالتعاون مع الطلبة فى الجامعات والمدارس والأجهزة التنفيذية فى مختلف المحافظات..
8- دعم المؤسسات والهيئات التي تعمل في مجال العمل التطوعي مادياً ومعنوياً بما يمكنها من تأدية رسالتها وزيادة خدماتها. ويمكن مواجهة مشاكل تمويل أنشطة الجمعيات الأهلية من خلال ما يلى:
• إعادة النظر فى ميزانية الإعانات للجمعيات الأهلية وزيادتها، وإحياء صندوق إعانة الجمعيات الأهلية بتنشيط وتفعيل أدواته على توفير الموارد من مصادر التمويل المختلفة حتى يكون الصندوق مصدراً لتمويل أنشطة الجمعيات الأهلية.
• تشجيع إنشاء الصناديق الخاصة لتمويل أنشطة الجمعيات الأهلية التطوعية.
• تشجيع الأعضاء والمواطنين على التطوع والتمويل وذلك عن طريق الإعلانات والدعايات وأقامة الندوات والمحاضرات.
9- إقامة دورات تدريبية للعاملين في هذه الهيئات والمؤسسات التطوعية مما يؤدي إلى إكسابهم الخبرات والمهارات المناسبة، ويساعد على زيادة كفاءتهم في هذا النوع من العمل، وكذلك الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال.
10- التركيز في الأنشطة التطوعية على البرامج والمشروعات التي ترتبط بإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين؛ الأمر الذي يساهم في زيادة الإقبال على المشاركة في هذه البرامج.

الحريّة بين الفوضى والالتزام

مقدمة:
الحرية كلمة جميلة الوقع على السمع، فهى هبة الله الذى خلقنا على صورته ومثاله.. يتمسك بها الطفل حتى وإن لم يفهم معناها، ويعتبرها الشاب حياته بأكملها، ويموت من أجلها الألوف والملايين فى أنحاء العالم، ويعتبرون حياتهم رخيصة من أجلها...

الحرية هى التعبير الواقعى عن الشخصية بكاملها، فليست الحرية فقط أى تصرف بمعزل عن أى ضغط خارجى مباشر، يملي علي سلوكي، فهذا ليس إلا الوجه الخارجي للحريه ولكن الحرية بمعناها العميق، هى أن أتصرف بحيث يأتى سلوكي تعبيراً عن كياني كله، وليس عن جزء من شخصيتى يتحكم فيّ، دون بقية الأجزاء فمثلاً: قد تتحكم في إحدى الشهوات وأتصرف بموجبها، دون النظر إلى ما يقاومها ويعوقها، من أجواء أخرى فى كياني.. حينئذ فلست حراً بل أنا عبد الشهوة. وقد يتحكم فىّ انفعال، أتصرف تحت سيطرته بما أندم عليه فيما بعد.. فأنا عبد لهذا الانفعال.

كل فرد منا يعلم أننا خرجنا من بطون أمهاتنا أحرارا.. والقيود الدينية أو الاجتماعية والأخلاقية ليست سلاسل تقيد حرياتنا.. فالحرية مسؤولية كبيرة تتلخص في أن تفعل ما تحب وترضى بشرط أن تراعي بما تفعل حقوق خالقك ودينك وعرفك والناس من حولك.. وألا تتعدى بهذه الحرية على حرية الآخرين ورغباتهم.. الحرية معناها التزام واحترام لحرية الغير. الحرية هى فى حد ذاتها قيد على الشخص لأنى عندما أكون حرا يكون فكرى منطلقا ومتفهما وبالتالى أستوعب أن حريتى تنتهى عند حرية الآخر يعنى لا ينفع أكون حرا وأزعج غيرى وأقول أنا حر. والإزعاج له أشكال كثيرة وعميقة يعنى من تلبس ملابس عارية باسم الحرية طغت على حرية غيرها فهناك من يستعف أن يرى هذا العرى وهى تؤذيه، وهناك من يشرب المنكر أمام الآخرين وهذة فتنة للشباب وليست حرية هناك من يستمع للكاسيت أو المذياع بصوتٍ عالٍ ويؤذى جيرانه باسم الحرية. عموما فإن حرية الفرد تنتهى عند حرية الأخرين.. بمعنى أن يتوقف الشخص عن ممارسة حريته إذا كانت تتعارض مع حرية الأخرين.. فمثلا شخص مع غيره فى غرفة واحده ويريد أن يسهر ليقرأ والآخر يريد أن ينام هنا تتعارض الحريات، فليس هناك حرية مطلقة فى جميع الأحوال.

معنى الحرية:
ونعني بالحرية في العادة تلك الخاصة التي تميز الكائن الناطق من حيث هو موجود عاقل تصدر أفعاله عن إرادته هو لا عن أية إرادة أخرى غريبة عنه. فالحرية بحسب معناها الاشتقاقي هي عبارة عن انعدام القسر الخارجي، و الإنسان الحر هو من لم يكن عبداً أو أسيراً. ومفهوم الحرية يتوقف كثيراً على الحد المقابل الذي تثيره في أذهاننا هذه الكلمة، إذ قد نضع في مقابل كلمة الحرية، كلمات عديدة مثل كلمة "الضرورة" أو "الحتمية" أو كلمة "القضاء و القدر" أو كلمة "الطبيعة".

بعض الباحثين، من أمثال جون لوك‏، يرى أن الحرية هي القدرة والطاقة اللتان يوظفهما الانسان لأجل القيام بعمل معين أو تركه‏. وبعض آخر، من أمثال جون‏ ستيوارت ميل‏ يقول: إن الحرية عبارة عن قدرة الإنسان على السعي وراء مصلحته التي يراها، بحسب منظوره، شريطة أن لا تكون، مفضية إلى إضرار الآخرين‏.

ومن الممكن أن نميز بصفة عامة بين نوعين من الحرية : حرية التنفيذ و حرية التصميم. والمقصود بحرية التنفيذ: تلك المقدرة على العمل أو الامتناع عن العمل دون الخضوع لأي ضغط خارجي، والحرية بهذا المعنى عبارة عن القدرة على التنفيذ مع انعدام كل قسر خارجي. أما حرية التصميم: فهي عبارة عن القدرة على الاختيار أعني القدرة على تحقيق الفعل دون الخضوع لتأثير قوى باطنة، تحد من حرية التصميم كالدوافع و الأهواء 000الخ.

حرية المرأة:
ترتبط قضية حرية المرأة بمسائل الإصلاح وتطور المجتمع, مثلما ترتبط بمبدأ سيادة القانون في المجتمع والدولة, ومدى احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان. ويشكل التشبث بواقع التمييز ضد المرأة والممانعة في حريتها أساسا تربويا للاستبداد؛ حيث تتجلى التربية الاستبدادية في الأسرة، عندما ينظر الرجل إلى المرأة باعتبارها قطعة من مقتنياته يمارس عليها الأمر، وواجبها الطاعة. الزوج لزوجته والأخ لأخته. ويشكل هذا القبول للتمييز داخل الأسرة وعدم المساواة في الحقوق، تربية لقبول التمييز في المجتمع والقبول بالحرمان من الحرية والحقوق. لذلك يلاحظ أنّ البلدان التي تحكمها أنظمة استبدادية هي أكثر البلدان ممانعة لحرية المرأة ومساواتها في الحقوق. ويعتبر اشتراك المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية أحد المؤشرات على درجة التطور لأي بلد من بلدان العالم؛ حيث تدل الوقائع الثابتة على أنه كلما كانت المرأة متمتعة بالحقوق والحريات العامة في بلد ما كلّما كان تطور هذا البلد أكثر، وإمكانيات تطوره أوسع وأرقى. ذلك لأن المجتمع الذي يحرم نصفه من الحقوق أو بعضها، لا يمكن أن يكون مجتمعا سليما معافى.

وقد استطاعت المرأة العربية أن تتخلّص من الكثير من القيود التي كانت تقف عائقاً أمام مشاركتها في بناء نفسها وبناء مجتمعها. والمرأة أخذت كثيرا من حريتها الاجتماعية فهى تمارس مختلف الأعمال الكبيرة والصغيرة و هى الآن فى كل المجالات حتى وصلت لمهن كان لا يتصور قيام المرأة بها كالمأذونة والعمدة وقد كان، ومجالات العمل اليوم مفتوحة للرجل والمرأة والمنافسة موجودة بشرط أن تكون شريفة. إلا أنّ تحرّر المرأة مازال يرتبط بشكل رئيسي بتحرر الرجل نفسه لأنّ الرجل العربي مقيّد بالتقاليد والعادات و السلوكيات الموروثة التي تمنع المرأة أن تكون عنصراً فاعلاً في المجتمع. إنّ الرجل الشرقي يخاف المرأة الذكيّة الواثقة من نفسها , لذا نراه في أحيان كثيرة يحاول كسر أجنحتها لمنعها من التحليق عالياً, ولذا نرى أيضاً أنّ المرأة العاملة هي أقل حظوظاً عند الرجل من المرأة القابعة في المنزل. في الحياة اليوميّة وفي كافّة الشرائح الاجتماعيّة نرى أنّ المرأة تكافح بقوّة داخل البيت وخارجه. فالمرأة العاملة تضاعف جهدها وتعبها لذا نقول تحرّر المرأة ما زال ظاهريّاً. وكلّما كان الرجل متفهّماً لما تقدّمه المرأة ومساعداً وعوناً لها كلّما استطاعت أن تستمرّ وتتقدّم أكثر. بالتالي ينعكس ذلك على الأسرة بكاملها إيجابيّاً. وكثيراً ما يلفت نظرنا أنّ المرأة التي تعمل خارج المنزل حياتها منظّمة أكثر. اهتمامها بما هو مفيد وحضاري أكبر وأولادها أكثر نجاحاً من أولاد المرأة غير العاملة. فالأولاد كما يحتاجون الحبّ والحنان يحتاجون أيضاً من الأمّ ثقتها بنفسها وقدرتها على أن توجّههم بشكل صحيح. المرأة في مجتمعنا مكافحة وصبورة, مضحّية وذكيّة وتستطيع أن تخطط لمستقبل أسرتها بكل مسؤليّة ودقّة.

وفى البداية لابد أن نحدد حرية المرأة ما هى وما حدودها وما هى حرية الرجل وهل لها حدود .. ولابد أن نعرف أن المرأة فى جميع مراحل عمرها ومع اختلاف ظروفها يكون لها حرية مختلفة: البنت، والزوجة، والمطلقة، والأرملة، إلى أخره لكل حالة منها ظروفها وحريتها المناسبة والخاصة. فهى وهى بنت تكون حريتها مقيدة بنظرة الأب والأخ من منطلق الخوف والحرص عليها.. وتنمثل حريتها فى الخروج بحساب، والكلام بأدب، والتعود على أن تسمع الكلام. المرأة المتزوجة ومهما كانت تعمل هى نفسها تردد بيتى أولا: فحرية المرأة هنا لا تتعارض مع حرية الرجل بشرط الالتزام بواجباتها ومعرفة معنى كلمة الحرية وعدم استخدمها بطريقة سيئة. والرجل الذى يعطى زوجته حرية العمل وربما يكون معها فى نفس المهنة ويفهم طبيعة عملها لا يقبل أن تقصر فى واجباتها المنزلية ومسؤليتها نحوه وأولادها، وبقاء المرأة في المنزل ضروري لتربية الأطفال. بمعنى أن حريتها لا تتعارض مع حرية الرجل بل مع حياتها الأسرية فهنا عليها أن توازن. المهم ألا تسيء حريتها حتى لا تتعدى على حرية المحيطين بها والمضار مباشرة بحريتها الأب للفتاة والزوج للزوجة وبالنسبة للمطلقة والأرملة نجد أن المجتمع هو الذى يحدد مدى حريتها. وبذلك حرية المرأة دائما مشروطة بظروفها، وبالعادات والتقاليد ونظرة المحيطين. وحتى حرية الرجل وقد تبدو مطلقة إلا أنها أيضا مشروطة لأنه غير مسموح له بالاساءة للمحيطين به بحجة انه يمارس حريته. فالمهم بالنسبة للرجل والمرأة عدم الاساءة .. ولكن المجتمع يغفر للرجل ولا يتساهل مع خطأ المرأة.

عموماً تكتسب المرأة أهميّة كبيرة من خلال وظيفة الأمومة حيث يرتبط معنى وجودها بهذه الوظيفة. فكيف تحقّق المرأة النقلة النوعيّة بين أن تكون أمّاً حيث تتمركز مهمتها الأساسيّة وبين أن تكون عنصراً أكثر فاعليّة في بناء المجتمع?‏

حريّة المرأة ترتكز على حريّتها الاقتصاديّة واستقلالها العلمي. وهناك حكمة تقول من لا يملك قوت يومة لا يملك حريتة. وكي تحقق المرأة حريتها يجب أن يكون لها رأيها الخاصّ كما عليها الاختلاط بالمجتمع لأنّ التقوقع يجلب ضعف الشخصيّة.‏

ومن الخطأ أن تفهم المرأة الحريّة من خلال الحريّة الاقتصاديّة فقط؛ فالتحرر الاقتصادي يجب أن يكون بداية للانطلاقة نحو الحريّة الحقيقية. إنّ جهل المرأة يكمن بالجهل الثقافي؛ فحريّة المرأة لا تأتي من خلال العمل خارج المنزل فقط وإنّما من خلال الاطّلاع الثقافي وتوسيع أفقها في كلّ المجالات (مسرح - سينما - قراءة....).‏