الأربعاء، 10 فبراير 2010

عمالة الأطفال فى مصر

مقدمة :
عمالة الأطفال في نطاق الأسرة كانت ظاهرة طبيعية في معظم أنحاء العالم وارتبطت بالعمل الزراعي الذي يتميز بأنه موسمي ويتيح أوقات فراغ كبيرة، كما أن بيئة العمل طبيعية وتسمح للطفل باللهو واللعب أثناء العمل في رعاية والديه، كما أنه يمارس العمل بالتدريج في إطار تدريبه على العمل الذي سيزاوله مستقبلا.
وفي بريطانيا، قبيل الثورة الصناعية، كان الأطفال يعملون في منازل الأثرياء ويعيشون مع أطفال الأسرة التي يخدمونها من سن العاشرة وحتى سن الزواج.
ومع دخول أوروبا عصر الثورة الصناعية بدأ أصحاب المصانع في تشغيل النساء والأطفال في ظروف بالغة القسوة ولعدد ساعات كبيرة، إلى أن طبقت التشريعات التي تنظم عمالة الأطفال بما يحافظ على حقوقهم في أن يعيشوا طفولتهم. وفي الفترة من 1870 إلى 1900، كان كثير من الأطفال يعملون في المصانع من أجل الحصول على المال، وكان أكثرهم لا يسمح القانون بعملهم؛ إذ كانت أعمارهم تتراوح بين 11 و15 سنة.

ترتبط ظاهرة عمالة الأطفال وجودا وعدما بدرجة تقدم المجتمع أو تخلفه؛ فتبدو أكثر انتشارا في دول العالم الثالث على وجه الخصوص، كما تتضاءل وتختفي باختفاء المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وبمدى احترام ذلك المجتمع للتشريعات والقوانين المنظمة له.
وتشير تقارير منظمة العمل الدولية إلى أن بعض المناطق تكاد تخلو من هذه الظاهرة مثل: أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا، كما لا توجد على الإطلاق في مناطق أخرى من العالم مثل: اليابان والصين وإسرائيل.

تشير التقديرات الإقليمية إلى أن آسيا والمحيط الهادى تضمان العدد الأكبر من الأطفال العمال فى المرحلة العمرية 5-14 سنة، بمجموع إجمالى قدره 127.3 مليون. (19 فى المائة من الأطفال يعملون فى المنطقة).أفريقيا جنوب الصحراء لديها ما يقدر بنحو 48 مليون طفل عامل، حيث إن نحو واحد من كل ثلاثة أطفال دون 15 سنة (29 فى المائة) يعملون. أمريكا اللاتينية والكاريبى بها ما يقرب من 17.4 مليون طفل عامل. (16 فى المائة من الأطفال يعملون فى المنطقة). 15 فى المائة من الأطفال يعملون فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. نحو 2.5 مليون طفل يعملون فى الاقتصادات الصناعية والتى تمر بمرحلة انتقال. وطبقا لتقارير منظمة العمل الدولية ان عمالة الأطفال تصل نحو ثلث قوة العمل الزراعية فى بعض الدول النامية !!!

حجم المشكلة فى مصر:
تتواجد ظاهرة عمالة الأطفال بوضوح فى مصر شأنها شأن معظم البلدان التى لها نفس الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
ويوضح الحديث عن حجم مشكلة عمالة الأطفال في مصر مدى صعوبة المشكلة التي نتصدى لمواجهتها ؛ فالتباينات بين الإحصاءات والتقديرات واضحة، كما أن تتبعها من فترة زمنية لأخرى ومن إحصاء لآخر يعد أمرا مثيرا للجدل..وتقدم لنا الدراسات التي أجريت في هذا الصدد نتائج متضاربة. ويرجع ذلك، في حقيقة الأمر إلى الاختلاف في بعض المتغيرات الأساسية، مثل: بداية سن العمل ونهايته، وطبيعة العمل الذي يقوم به الطفل، سواء كان دائما أو مؤقتا أو موسميا، فضلا عن إخفاء بعض أصحاب الأعمال للأطفال الذين يعملون لديهم؛ لكونهم يقومون بعمل يحظره القانون.

وقد أجرى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بالتعاون مع المجلس القومى للطفولة والأمومة مسحا قوميا فى 2001 م شمل عينة بلغ حجمها 20الف أسرة ، اخذ المسح بالتعريف الإجرائي لعمالة الأطفال "هو كل نشاط اقتصادي قام به طفل فى الفئة العمرية 6ــ14 سنة خلال ثلاث شهور سابقة لإجراء المسح "
انتهى المسح إلى تقدير إجمالي لعدد الأطفال العاملين 2مليون وسبعمائة وست ثمانون آلف طفل يقطن أغلبهم فى مناطق ريفية 83%ويشير توزيع الأطفال العاملين بحسب النوع 73% ذكور و27% إناث من مجموع الأطفال العاملين. وهو ما يمثل ما يقارب 10% من عدد البنين وحوالي 6% من عدد البنات في المراحل العمرية من 6-14 عاماً.
اظهر المسح القومى أن العمالة الزراعية تحظي بـ ٧٠% من الأطفال المتسربين من التعليم، منهم ٤٦% في الشرقية فقط، أي ما يعادل ٤٠٠ ألف طفل، وأن الأطفال الذين يعملون فى أعمال دائمة يمثلون 28,4% من مجموع الأطفال العاملين ويمثلون 5,97 من مجموع الأطفال فى الفئة العمرية 6: 14 سنة. هذا فى حين كانت أعلى نسب عمل الأطفال بين الذين يعملون خلال الإجازة الصيفية فقط فهم يمثلون 54.1 % من الأطفال العاملين. كما يشير المسح إلى معلومة هامة تفيد أن 74 % من الأطفال العاملين يعملون بدون اجر لدى أسرهم فى أنشطة اقتصادية فى محيط الأسرة.
أما عمالة الأطفال في خدمة المنازل التي تعد أحد أسوأ أشكال عمالة الأطفال، فتعاني من انعدام الدراسات والإحصائيات التى تناولتها، اللهم إلا بعض أخبار حوادث العنف والانتهاكات التى يتعرضوا لها،وإن كانت حالات فردية لا يمكن القياس عليها.
القانون والاتفاقيات والمواثيق الدولية:
تقر المادة 32 من اتفاقية حقوق الطفل، التي صادقت عليها مصر في 6 يوليو 1990 بحق الطفل في "حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي"... كما تلزم الاتفاقية الدولة باتخاذ التدابير التشريعية والإدارية اللازمة لضمان تنفيذ المادة 32 بما في ذلك "وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه، و"فرض عقوبات أو جزاءات أخرى مناسبة... وتتعرض عدة أحكام أخرى من الاتفاقية لمعاملة الأطفال العاملين، بما في ذلك الحق الذي تضمنه الدولة في الانتفاع بـ"مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي والتعليم الابتدائي الإلزامي المجاني، والراحة ووقت الفراغ وتحظر الاتفاقية تعرض أي طفل "للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة"، شأنها في ذلك شأن "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صادقت عليه مصر في ( 12 يناير 1982). تنص القوانين والتشريعات الدولية والمحلية الخاصة بتشغيل الأطفال على منع تشغيل الأطفال اكثر من ست ساعات عمل يوميا للأطفال الذين أعمارهم 15 عاما فأكثر. أما الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ذلك فلا يجوز تشغيلهم بأي حال من الأحوال.

وحظر مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر عام‏1996تشغيل الطفل في أي من أنواع الأعمال التي يمكن بحكم طبيعتها أو ظروف القيام بها أن تعرض صحة أو سلامة أو أخلاق الطفل للخطر‏.
وتنص المادة "68" من مشروع القانون علي أنه يجب علي صاحب العمل الذي يقوم بتشغيل طفل أو أكثر مراعاة التالي: أن يعلق في مكان ظاهر من محل العمل نسخة تحتوي علي الأحكام التي يتضمنها هذا الفصل.وأن يحرر أولاً بأول كشفاً بالبيانات الأساسية المتعلقة بكل طفل من المشتغلين لديه.وأن يبلغ الجهة الإدارية المختصة بأسماء الأطفال الجاري تشغيلهم وأسماء الأشخاص المنوب بهم في مراقبة أعمالهم.وأن يقوم بتوفير سكن منفصل للعمال من الأطفال عن غيرهم من البالغين إذا اقتضت ظروف العمل مبيتهم.وأن يحتفظ بمقر العمل بالوثائق الرسمية التي تبين سن جميع العاملين لديه من الأطفال.
ولكن يلاحظ أن القانون في تعامله مع قضية عمالة الأطفال ركز فقط علي حظر عملهم في المحاجر والمسابك والمهن الخطيرة لمن هم دون الخامسة عشرة وأغفل تشغيلهم في التراحيل كما يحدث في الأرياف حيث يمثل الأطفال 77% من حجم العمالة في هذا المجال، كذلك لم يتطرق لاستخدام الأطفال كخدم في المنازل.

مفهوم عمالة الأطفال:
يمكن تقسيم عمالة الأطفال إلى قسمين: الأول سلبي، والثاني إيجابي : مصطلح عمالة الأطفال السلبي هو العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل، العمل الذي يهدد سلامته وصحته ورفاهيته، العمل الذي يستفيد من ضعف الطفل وعدم قدرته عن الدفاع عن حقوقه، العمل الذي يستغل عمالة الأطفال كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار، العمل الذي يستخدم وجود الأطفال ولا يساهم في تنميتهم، العمل الذي يعيق تعليم الطفل وتدريبه ويغير حياته ومستقبله .

مصطلح عمالة الأطفال الإيجابي: يتضمن هذا التعريف كافة الأعمال التطوعية او حتى المأجورة التي يقوم الطفل بها والمناسبة لعمره وقدراته، ويمكن أن يكون لها آثار إيجابية تنعكس على نموه العقلي والجسمي والذهني، وخاصة إذا قام به الطفل باستمتاع والحفاظ على حقوقه الأساسية؛ لأنه من خلال العمل يتعلم الطفل المسؤولية، والتعاون، والتسامح، والتطوع مع الآخرين.

لاشك أن هناك بعض الجوانب الإيجابية لهذه الظاهرة في ضؤ الواقع المجتمعي السائد ، خاصة فيما يتعلق بـ :
v الأطفال الذين يستحيل عليهم الاستمرار في التعليم لأسباب خاصة أو لأسباب أسرية.
v الأعمال التي يصعب إجادتها إلا في مراحل عمرية مبكرة.
v زيادة دخل الأسرة ذات الإمكانيات المحدودة.
v متطلبات التنمية وزيادة الإنتاج.

o ماذا عن أطفال عمال التراحيل؟
o ماذا عن طفل يتسرب من التعليم ليعمل في موسم جني القطن ثم لا يجد ما يفعله بقية السنة؟
o ماذا عن اشتراك الأطفال في الأعمال الفنية ومخالطة أجواء ربما تؤثر على أخلاقهم؟
o ماذا عن احتراف الأطفال الرياضة في سن مبكرة نتيجة ما يسمعونه عن المبالغ الكبيرة التي يحصل عليها نجوم الكرة؟

العوامل المسببة لعمالة الأطفال :

أولا- ما يخرج عن نطاق العوامل المنتجة :
1. العوامل السكانية مثل : ارتفاع معدلات الإنجاب، والهجرة الريفية الحضرية.
2. البيئة الأسرية: التفكك الأسري.
3. انخفاض المستوى التكنولوجي: إن الوضع فى مصر وخاصة القطاع الغير رسمي يوضح الزيادة المستمرة فى الطلب على عمالة الأطفال وخاصة أن القطاع الغير رسمي الذى لا يخضع لما تخضع له المصانع التابعة للقطاع الرسمي من حيث المراقبة والإشراف وتنظيم عماله الأطفال !!! وعلى الرغم من أن نمط الإنتاج قد تطور فى مصر كنتيجة للتطور التكنولوجي إلا أن ذلك لم يؤثر بدوره على سوق عمالة الأطفال كما هو متوقع فما زال الطلب عليهم مرتفعا خاصة فى الورش الصناعية خاصة وان الأطفال هم الأقل أجرا كما هو معروف ويتم الاستعانة بهم فى الأعمال المساعدة والتى لا تضيف عادة شيئا الى مهارات الطفل الفنية بما يؤهله مهنيا للارتقاء فى العمل...

ثانيا- الأسباب المؤدية لعمالة الأطفال :
1. التسرب من التعليم : كثير من الأسر الفقيرة تفضل إرسال أطفالها لتعلم مهنة أو للعمل، بصفة عامة، عن إرسال أبنائها إلى المدرسة؛ ذلك أن إرسال الطفل إلى المدرسة ليتعلم يعني ضياع فرصة كسب ودخل للأسرة تكون هي في أشد الحاجة إليه. وهناك العديد من الدراسات أثبتت أن هناك علاقة وثيقة بين تخلف المناهج التعليمية وتوجه الطفل للعمل. أضف إلى ذلك قصور المؤسسات التعليمية عن استيعاب الأطفال في الفصول الدراسية التي تصل فيها الكثافة إلى أكثر من ستين طالبا أحيانا. ثم إن الذهاب للمدرسة – رغم مجانية التعليم – يعني تحمل حد أدنى من التكاليف (مثل: شراء ملابس المدرسة، والكراسات، والأدوات الدراسية...الخ) وهذا ما يصعب تحمله في الأسر الفقيرة. أما الانخفاض الملحوظ في نوعية التعليم في المدارس الحكومية، في الوقت الذي لا يستطيع أولياء الأمور في الأسر الفقيرة التغلب على هذه الصعوبة؛ حيث لا يستطيعون مساعدة أولادهم في الاستذكار؛ نظرا لأن أغلبهم أميون ، أو أن مستوياتهم التعليمية منخفضة للغاية. وعلى هذا بلغت نسبة تسرب الأطفال من التعليم 25%؛ وذلك نظرا لطبيعة المناهج التعليمية الطاردة، وكذلك ارتفاع سن القبول بالتعليم؛ مما يضعنا جميعاً أمام تحدٍ حقيقى فى العمل على تطوير العملية التعليمية بما يجعلها جاذبة للأطفال وتنمى قدراتهم من كافة الجوانب كما نصت المادة 29 من اتفاقية حقوق الطفل، بما فى ذلك كثافة الفصل التعليمى وأوضاع المدرسين ...الخ.والحاصل كما تدل المؤشرات الإحصائية ان المعدل الصافي لقيد الأطفال في رياض الأطفال لايتجاوز‏(18%)‏ ممن هم في الفئة العمرية بين‏(4‏ ـ أقل من‏6‏ سنوات‏),‏ وفي التعليم الابتدائي‏(96%)‏ للفئة العمرية من السكان مابين‏(6‏ ـ‏11‏ سنة‏)‏ وفي المرحلة الإعدادية‏(94%)‏ لما بين‏(12‏ـ‏15‏ سنة من السكان‏)‏ وهاتان الحلقتان هما التعليم الأساسي الذي ينبغي أن تكفله الدول كما ونوعا‏,‏ ويبلغ هذا المعدل بالأرقام المطلقة إذا استبعدنا رياض الأطفال مايتجاوز‏(2.5)‏ مليون طفل إما لم يلتحقوا بالمدرسة في سن‏6‏سنوات وتسربوا أو هربوا منها في المرحلة الابتدائية‏,‏ ثم من تساقطوا وتسربوا في المرحلة الإعدادية‏.‏ومعدل القيد الصافي في المرحلة الثانوية‏(66%)‏ للفئة العمرية من السكان مابين عمر‏(16‏ـ‏18‏ سنة‏),‏ مما يعني ان حوالي‏(2)‏ مليون يتساقطون أو يتسربون لأسباب اقتصادية أو غير اقتصادية في الانتقال من المرحلة الإعدادية إلي مرحلة التعليم الثانوي‏.‏ والخلاصة أن لدينا في التعليم قبل الجامعي حوالي‏4.5‏ مليون طفل وشاب ممن لم يتذوقوا طعم التعليم‏,‏ أو أن مستوياتهم التعليمية لا تتعدي هوامش المعرفة‏,‏ والتي قد يرتد بعضهم إلي الأمية الهجائية أو الوظيفية‏,‏ أو القصور في متطلبات المواطنة وفي مسئولياتهم الحياتية الشخصية والاجتماعية‏.‏ ومنهم من ينضم إلي‏(‏أولاد الشوارع‏)‏ أو ينحرف إلي مهاوي الجريمة والمخدرات والسرقات‏.‏ وفق تقرير العنف ضد الأطفال في مصر الذي صدر عن مركز الأرض لحقوق الإنسان‏، فإن‏65%‏ من الأطفال تعرضوا للترهيب والضرب داخل المدارس‏, كما سجل التقرير أن مشاجرات التلاميذ داخل المدارس أصبحت تؤدي إلي تعرضهم لإصابات بالغة‏,‏ فمن جملة‏(13)‏ حالة تعد علي الأطفال داخل المدارس أدت‏(7)‏ حالات مشاجرات بينهم إلي حدوث اصابات جسيمة وعاهات مستديمة‏,‏ ورصد التقرير حادثة جديدة وفريدة من نوعها وهي تتمثل في اضراب تلميذة في الصف الرابع الابتدائي عن الطعام نتيجة لضرب معلمتها لها ومع ذلك قررت إدارة المدرسة حفظ الشكوي المقدمة من أم الطفلة ضد المعلمة‏!‏

2. تعلم صنعة: بعض أولياء أمور أطفال عاملين أفصحوا بأنهم لا يبتغون من عمل أطفالهم أي مكسب مادي، إنما يهدفون من وراء تشغيلهم إكسابهم "صنعة" تفيدهم في مستقبلهم، فالدراسة أو الشهادة الجامعية كما يقولون لا تأت على أحد بفائدة وخصوصا في أيامنا هذه "فأصحاب" الشهادات وخريجي الجامعات عاطلين عن العمل يبحثون عن لقمة عيشهم من خلال مهن لا تمت لدراستهم بصلة. يقول أحد الأطفال (13 عاما) أنه طلب من والده أن يعلمه مهنته وهي النجارة، وكان مبرره في ذلك بأن لديه القدرة على تقسيم وقته بين الدراسة والعمل، ولكن بعد سنتين اكتشف بأنه قد قصر في دراسته وفي نفس الوقت بدا له بأنه يتقن صنعة والده، فقرر ترك الدراسة والبقاء في العمل رغم معارضة والده لذلك، وما إن مرت سنة أخرى اشتد شوقه للدراسة وبات نادما على فعلته، وعلى حد تعبيره فإن عينيه تفيض دمعا عندما يسمع جرس المدرسة أو يرى أبناء حيه ذاهبون إليها.

3. مساعدة الأهل : في بعض الحالات يكون أجر الطفل بمثابة المصدر الوحيد أو الأساسي للدخل في الأسرة.

4. سيادة بعض القيم الثقافية التي تشجع عمل الأطفال ، باعتبار أن العمل يساعد على تكوين الطفل وزيادة تحمله للمسئولية ، أو أن عمل الفتاة هو واجب عليها لأن مستقبلها يعتمد على إعدادها للقيام بالأعمال المنزلية أو الخدمية.

5. أسباب أخرى مثل: العمل أفضل من اللعب في الشارع، وعدم الرغبة في الجلوس في البيت، ووفاة أحد الوالدين، والرغبة في التجهيز للزواج(بالنسبة للبنات)، وإرادة الأهل. فمثلا: «شيماء» عمرها 16 سنة وتعمل شغالة عند سيدة مسنة تعيش في حي الزيتون وتروي حكايتها بأنها هربت من زوج أمها في حلوان وركبت المترو واتعرفت علي الست أم أشرف وعندما عرفت حكايتها أخذتها لتشتغل عندها، وتقول شيماء يا ريت الحكاية علي قد خدمتها ولكن بروح أخدم بناتها أيضا من غير أبيض ولا أسود مقابل الأكل والنوم ولكن لازم أتحمل أحسن من عذاب جوز أمي. الخادمة زمان كانت مستوردة من الريف وعمرها يتراوح بين 12 و18 سنة وكان عملها مصدر رزق أساسيا لأسرتها وغالبا ما تنتمي الخادمة للقرية نفسها التي تنتمي إليها أسرة مخدومها مما ساهم في خلق علاقة حميمية بين الطرفين ولكن في ظل قوانين الخصخصة والانفتاح الاقتصادي وخروج المرأة للعمل وحاجتها لمن يرعي شئون المنزل والأطفال وجدنا مهنة الخادمة تأخذ شكلا مختلفا، حتي مظهر الخادمات اختلف تماما، وارتفعت أجورهن، وأصبحت لهن شروطهن الخاصة. ولكن المشكلة الأكبر بالنسبة للخادمة هي النظرة المتدنية لها حيث يتم التعامل معها علي أنها مخلوق من الدرجة العاشرة: تنام علي الأرض، وتأكل بقايا الوجبات- وخاصة إذا كانت هذه الخادمة في سن صغيرة وقادمة من الريف، استمرار العمل لساعات طويلة، والتعرض في بعض الأحيان للاعتداء الجنسي، كما أن الخادمة كثيرا ما تتعرض لخلل نفسي شديد ناجم عن التناقض الشديد بين بيئتها وتلك التي تخدم فيها، وهذا يولد لديها شعورا بالإحباط والسخط.
أنواع الإساءة التي يتعرض لها الأطفال العاملون:
§ تأخر المستوى التحصيلي والمعرفي.
§ الاستغلال المادي الذي يتضح في ساعات العمل الطويلة وتدني الاجور
§ التعرض للجنوح والانحراف والإقدام على تعاطي المواد الضارة (التدخين والمخدرات واستنشاق مذيبات الدهانات وغيرها من المواد المذيبة) وبيع المخدرات مثل البانجو.
· الاعتداءات الجسدية والجنسية (وخاصة الأطفال العاملين في اصلاح السيارات والمشاريع الصغيرة).
§ التعرض لإصابات خطيرة من جرّاء حوادث السيارات وارتطام عربات البيع بالسيارات المسرعة.
§ الإصابات المهنية والجروح العميقة بسبب الاجهزة الكهربائية والآلات الميكانيكية والأدوات الحادة المستخدمة في الورشات الميكانيكية ومحلات الجزارة والنجارة ومعامل إعادة تدوير الزجاج المتكسر.
§ يتعرض الأطفال العاملون في نشاط البناء للجروح والرضوض الناتجة عن تساقط الحجارة وقطع الطوب.
§ يتعرض الأطفال العاملون في لحام المعادن والحدادة لإصابات بالغة في العيون.
§ يعاني الأطفال العاملون في الزراعة من الالتهابات والأمراض الصدرية بسبب انتشار المواد السامة لمكافحة الآفات والحشرات، كما يعانون من اصابات والتهابات فطرية جلدية شديدة في اصابع القدمين بسبب العمل حفاة في الحقول. و تؤكد الدراسات بأنهم معرضون لعدد من المخاطر الصحية وانتهاكات الحقوق التى لا نظير لها هذا فضلا عن تعرض حياتهم دوما للخطر من خلال نقلهم فى عربات غير مأمونة " أطفال التراحيل " وكان أخرها حادث طريق الإسماعيلية الذى راح ضحيته 46 طفلا وفتاة ما بين قتيل وجريح. وقبلها فى مايو 2002 لقي 41 طفلا وفتاة من أبناء الفيوم مصرعهم أثناء نقلهم للعمل فى مزارع محافظة البحيرة، هذا فضلا عن عشرات الحوادث الأخرى. وقد تبين من دراسة أجريت عام 2000على أكثر من مليون طفل يستخدمون موسميا كعمال لجمع القطن فوجد أنهم يعملون بشكل نمطي 11ساعة يوميا وسبعة أيام أسبوعيا فى درجات حرارة تصل 40درجة مئوية، أيضا عمل الأطفال فى حقول القطن بعد رش المبيدات الحشرية الخطيرة بفترة وجيزة يعرضهم للعديد من المخاطر الصحية، وأن جميع الأطفال أبلغوا عن تعرضهم بشكل روتيني للضرب بعصا خشبية من جانب مشرفي العمال..
§ يتعرض الأطفال العاملون في خدمة المنازل للإهمال والاستغلال والقهر والحرمان؛ حيث يعملون ساعات عمل كثيرة وغير محددة، كما أنة غالبا ما يتعرض الطفل للإيذاء النفسي والبدني بالضرب والإهانة وغالبا العدوان الجنسى أيضا.
الصعوبات المرتبطة بمعالجة مشكلة عمالة الأطفال :
v المشكلة الرئيسية المتوقع مواجهتها عند البدء في شن حملة ضد عمالة الأطفال في الدول النامية هي كون الهيئات الحكومية وأصحاب العمل والعاملين وعامة الناس والآباء وحتى معظم الأطفال العاملين أنفسهم ليسوا على وعي كاف بالآثار الخطيرة الناجمة عن عمل الأطفال، أو أنهم يتقبلونها بوصفها نتائج مرتبطة بالفقر لا يمكن تفاديها أو تجنبها. وعلى سبيل المثال:
v ينزع العديد من الآباء – خاصة الذين كانوا يعملون وهم أطفال- لمقاومة فكرة تخلي الأبناء عن عملهم للأسباب المحتملة التالية:
§ اعتبار المشاركة والانخراط المبكر لأطفالهم في النشاط الاقتصادي طريقة وأسلوب أفضل من الدراسة في المدارس .
§ النظر إلى عمل الأبناء بوصفه عالم ملئ بالخبرات التي تعمل من أجل تزويد هؤلاء الأبناء ببعض المهارات المفيدة لمستقبلهم كراشدين.
§ أن عمل الابناء عبارة عن أسلوب يمنحهم الإحساس والشعور بالانضباط أو ينقذهم من الكسل والبطالة والانحرافات التي يدركها الآباء بأنها مرتبطة بهذا الوضع .
v والمشكلة الأخرى الأكثر حدة المرتبطة الواجب مواجهتها وتحديدها والاعتراف بها هي حقيقة أن مشكلة الأطفال العاملين في مكان العمل ممن يتعرضون إلى إساءة المعاملة والعنف اللفظي أو الجسمي والجنسي وغيرها من صور العنف، تعد مشكلة غير مرئية بسهولة ويصعب حصرها وضبطها وأنها غالباً ما تنطبق على الأطفال العاملين في المناطق الريفية والقروية، وفي قطاع ورش العمل غير الرسمية والمؤسسات التجارية في المدن الكبيرة، أو بين أوساط الخدم في البيوت الخاصة. وبالتالي فإن الجهود الفعالة الواجب القيام بها لحماية الأطفال من أضرار ومخاطر وإساءات أو عنف مكان العمل يجب أن تتضمن:
§ البدء بجعل مشكلة الأطفال العاملين المعرضين لتلك المخاطر العديدة مرئية وملموسة وجلبها إلى دائرة الاهتمام والرأي العام.
§ جعل أنواع الخطر التي يواجهونها وما الممكن عمله بشأنها محور اهتمام الرأي العام .
وطالما يستمر معظم عامة أفراد المجتمع وبصورة خاصة من الطبقات المتوسطة والعليا في النظر إلى عمالة الأطفال بوصفها جزءاً من الواقع المرير والقاسي، فإن الأوضاع الواجب تغييرها لن يتم تحقيقها. وعلى العكس فإذا أدركت المجموعات الرئيسية وأدرك المجتمع ككل بكافة قطاعاته عمالة الأطفال كمشكلة فإن المنصة ستصبح جاهزة لضمان أن معظم أشكال الإساءة داخل قطاع عمالة الأطفال ستصبح ممارسات مرفوضة وغير مقبولة اجتماعياً وبالتالي ستصبح موضع الإبادة والاستئصال. وبصورة مماثلة فإن ازدياد الوعي بين أوساط الأطفال وآبائهم بأهمية التعليم من أجل مستقبل جميع الأطفال– الفتيات والأولاد- يعد أمراً حاسماً ومهماً جداً.

استخدام الحوافز الاقتصادية :
غالباً ما تنجح الجهود المبذولة للتقليل من عمالة الأطفال عندما تكون القوانين والتشريعات والأنظمة – سوياً مع العقوبات والجزءات- مصحوبة بحوافز اقتصادية للتقليل من تزويد سوق العمل بالأطفال ودفعهم نحوه. والتبرير المنطقي لمثل هذه الحوافز يعود إلى كون الكثير من عمالة الأطفال متأصلة و متجذرة في الفقر وأن الأسر الفقيرة بحاجة إلى الدخل العائد من عمل الأطفال العاملين. وإذا لم يتم استبدال هذا الدخل ببعض المبالغ النقدية أو المخصصات الدورية المدفوعة فإن التخلص من عمالة الأطفال في مهن معينة أو مصانع خاصة لا يمكنها أن تحل المشكلة؛ لأن هؤلاء الأطفال قد يتحولون بسهولة إلى مزاولة أنشطة وأعمال أخرى تمثّل فعلاً خطراً حقيقياً على حياتهم وصحتهم ومستقبلهم بأكمله.
وتتضمن أنواع الحوافز الاقتصادية الموجودة في التجارب الناجحة للتخلص من عمالة الأطفال، ما يلي:
§ دفع منح نقدية للأطفال وأسرهم.
§ توفير وجبات المدرسة المجانية، والمبالغ العينية الأخرى ( مثلاً، الكتب والملابس)، بالإضافة إلى الإعفاء والتنازل عن الرسوم المدرسية.
§ التسويات والحلول الوسط التي تتمثل في وضع مشاريع منتجة ومولدّة للدخل للأسر الفقيرة خاصة في المجتمعات التي تغص بالأعداد الكبيرة من الأطفال العاملين .
§ فتح المجال أمام الأطفال للتدرّب على مهنة أو صنعة أو أية برامج عمل مدرسي أخرى بحيث توفر التعليم أو التدريب للأطفال سوياً في آن واحد مع توفير الدخل كبديل لعمالة الأطفال.
§ استحوذت احتمالية وإمكانية استخدام الحوافز الاقتصادية السلبية لتخفيض حماس الأهل والأطفال نحو العمل أيضاً على الكثير من الاهتمام في الآونة الأخيرة. ولقد استحث المستهلكون في الدول النامية المصانع الكبرى العالمية الملكية لكي تعيد النظر في الشروط التي يتم إنتاج منتجاتها في ظلها وللتحقق من أن وكلاءها في تلك الدول لا يقومون باستخدام الأطفال، وفي أوروبا قررت العديد من المخازن التجارية الكبرى أن لا تبيع أية منتجات إلاّ إذا وضعت عليها شهادة بأنها قد صنعت بدون عمالة الأطفال. وبعد تطبيق إتفاقية التجارة الحرة قد يواجه أصحاب العمل وكذلك الدول، كثيرا من المشكلات نتيجة لاستخدامهم عمال من الأطفال حيث يمكن حرمانهم من المميزات التى توفرها اتفاقية الجات والتى تؤثرعلى قدرات الصناعة المصرية فى التصدير ومن أمثله ذلك: فى ديسمبر سنه1997 وفى مدينه المحلة الكبرى فوجئ صاحب أحد المصانع المتخصصة فى صناعة الوبريات بعدم سماح السلطات الجمارك الأمريكية بالإفراج عن شحنه له بحوالي 13 مليون دولار ما لم يتم إحضار شهادة من وزارة العمل فى مصر من بين بنودها الرئيسية أن كافة العاملين بالمصنع يزيد سنهم عن 18 سنه ولم تفرج عن الشحنه إلا بعد الحصول على الشهادة المطلوبة . ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل زار المصنع وفد من قبل المستورد ليتأكد من دقة البيانات التى حررت فى الشهادة. ومن جانبه أعلن الاتحاد الأوربي عن تخفيض التعريفة الجمركية على واردات كثيرة من منتجات من البلدان النامية وكذلك فرص متميزة للتسويق داخل دول الاتحاد الأوربى للدول التى تثبت التزاماتها بالحد الأدنى لسن التشغيل وهو الأمر الذى دفع أعضاء اتحاد الصناعات المصرية إلى تنظيم عدد من الندوات واللقاءات المستمرة مع مندوب من منظمة العمل الدولية بخصوص المحاولات المستميتة لكسب الوقت لرفع القيود على المنتجات المصرية وخاصة صناعة الملابس والمنسوجات والتى تعتمد على القطن ، وإظهار أن قضية عمالة الأطفال تستخدم للحد من قدرات بعض الدول النامية كورقة ضغط سياسية!!! وأن القانون لا يمكنه حل هذه القضية!!! وأن القضية تحتاج إلى وقت حتى يتمكن الاتحاد المصرى للصناعات من عمل عملية توعية والقضاء النهائي على الظاهرة ...

تحسين أوضاع المدارس:
§ تعد الطريقة الوحيدة الأكثر فاعلية لإيقاف تدفق أطفال سن المدرسة إلى الأشكال المعنفة من المهن أو الأعمال ، هي في توسيع وتحسين أوضاع المدارس والتعليم بحيث تصبح المدرسة جذابة تستقطب الأطفال وتحتفظ بهم وتبقيهم داخلها. وتؤكد تجارب الجهات الدولية على الاهتمام القوي الشديد بدور الهيئات الحكومية وهي توفر تسهيلات وخدمات تعليمية تصل وتحتفظ بحق وبصورة موثوق بها بالأطفال العاملين أو المحتمل لهم أن يتحولوا إلى عمال.
§ وبالرغم من أننا لا نستطيع التعويل أو الاعتماد على دوام الأطفال وحضورهم للمدارس وعدم تغيبهم، لإزالة الأطفال من العمل الجزئي ( لأن الطفل ببساطة يمكنه أن يجمع بينهما)، إلاّ أن توجد العديد من البراهين الدالة على أن الأطفال في المدارس أقل احتمالا للانخراط في أعمال مأجورة أو أشكال مؤذية من الأعمال ، التي يتعارض معظمها مع الحضور والمواظبة المستمرة على الحضور للمدرسة.
§ وغالباً ما يشار إلى أن التعليم الأساسي يجب أن يستخدم كمانع وعائق لعمالة الأطفال من خلال جعله إجبارياً ، ويشير البعض إلى أنه من الصعوبة بمكان القيام بإجبار مجموعة سكانية على الانتظام في المدرسة ، وأن الاستراتيجية المثلى هي في جعل المدارس جذابة للأطفال و أسرهم .
§ وما زال البعض أيضاً يعتبر أن العنصر الإجباري في سياسة التعليم يجب أن لا يستهدف الأطفال وأسرهم، لكنه يجب أن يوضع من أجل إجبار الجهات المعنية على توفير التسهيلات والخدمات التعليمية الكفؤة لجميع الأطفال في مناطقها المختلفة. والعائق الرئيسي أمام تحقيق تعليم أساسي عالمي شامل ليس في مقاومة الأسرة أو الأطفال ، لكنه في عدم مقدرة الجهات الحكومية على تلبية مطالب وتوفير التسهيلات والخدمات التعليمية الكافية للفقراء في المناطق الريفية أو القروية وبعض الحياء الفقيرة في المدن. إن الأوضاع السيئة للاقتصاد وآثار سياسات التكيف التركيبي كانت هي الأسباب الحقيقية وراء تراجع مخصصات الكثير من الدول لقطاع التعليم.
§ لقد تبين بشكل واضح أن الأسر مهيأة ومستعدة للقيام بتضحيات رئيسية من أجل تعليم أبنائها، وذلك عندما يكون التعليم من الناحية المادية والاقتصادية قابلاً للوصول إليه. وكذلك عندما يكون التعليم منتجاً بصورة حقيقية بمعنى إمكانية العمل والتوظيف المستقبلي. وعلى سبيل المثال فقد وجد البرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال (IPEC) ، أن المدارس تصبح أكثر جاذبية بالنسبة للأسر الفقيرة عندما تتضمن مناهجها تدريبات عملية على مهارات تجعل من الأطفال أكثر قابلية للعمل أو للتوظيف في مهن برواتب مجزية.
§ إن عملية إعادة الأطفال العاملين ثانية إلى المدرسة غالباً ما يكون أقل صعوبة مما هو متوقع. وعلى سبيل المثال، في المناطق التي يعمل معظم الأطفال فيها عملاً بدوام كامل بدلاً من الدوام في المدرسة ، فقد نجحت الجهود التي تم فيها استثارة المطالبة الوالدية لعودة الأبناء إلى المدرسة وذلك بعد جذب الوالدين أولاً لكي يقاطعوا تقليد عمل الأطفال. وقد تبنت بعض الدول برامج تعليم غير رسمية تستهدف بشكل خاص الأطفال العاملين. وقد أتت نتائج هذه الخبرة مزدوجة. فبعض البرامج تمكنت من جذب والاحتفاظ بجميع الأطفال العاملين ، وتمكنت في بعض الأحيان حتى من جذبهم للإطلاع الواسع والانصراف لقراءة الكتب والمؤلفات أكثر مما تقوم به المدارس النظامية. وفي حالات أخرى فقد رفض الأطفال وأسرهم التعليم غير الرسمي واعتبروه أنه جانب يحتل المرتبة الثانية في الأهمية بالنسبة إليهم.
§ وقد تبين أيضاً أنه في الحالات التي كان فيها الدخل العائد من عمل الطفل يمثل أمراً لا مناص ولا غنى عنه بالنسبة للأسرة، كان من الممكن إقناع الوالدين للتخفيف من عبء عمل الطفل بحيث يمكنه الجمع ما بين الدراسة والعمل.
§ وتشير تجارب برنامج المكتب الدولي للتخلص من عمالة الأطفال إلى أنه يفضل القيام بتوجيه الأطفال العاملين نحو كل من الدراسة الرسمية ونظام التدريب المهني وذلك مقارنة بتطوير تركيبة تعليمية موازية "من المرتبة الثانية" خاصة بهم .

كلمة أخيرة :
لا يمكن القيام بكل شئ في وقت واحد. فالأولوية يجب أن تعطى لوضع أشكال استراتيجية معينة من الإجراءات – وهي الإجراءات الأكثر احتمالاً لأن تحدث أثراً جوهرياً وأساسياً – والعرض السابق يشير إلى أن أية استراتيجية لمكافحة عمالة الأطفال على المستوى الوطني يجب في أقل المستويات أن تتضمن كلاً من الإجراءات الهادفة للتخلص المباشر والسريع من أي صورة من صور عمالة الأطفال غير الإنسانية كالعمل في ظل ظروف قاسية وخطيرة ومعنفة ومسيئة للطفل العامل، بالإضافة إلى جهود أكثر اتساعاً وشمولية لجذب وجلب جميع الأطفال إلى المدارس أو أي وضع تدريبي مناسب. وهذا لن يتم إلاّ بتعاون خاص من الأسر والأطفال والمربين والهيئات الاجتماعية الرسمية والأهلية لنعمل سوياً على تأمين البسمة لأطفالنا وعدم تعطيل أيام طفولتهم لكي يصبحوا رجال الغد المنتجين والمنتمين.
والسؤال الأساسي المرتبط بهذه المبادرات هو: هل ستؤدي فعلاً لوضع حد لعمالة الأطفال؟ ولا يوجد شك في هذا الخصوص بأن تلك الجهود قد أيقظت وأثارت الوعي بمخاطر عمالة الأطفال وأجبرت وفرضت على الحكومات وقادة الأعمال على اتخاذ إجراءات أكثر جدية وصرامة ضد عمل الأطفال.
وعلى أية حال فقد أدت هذه الجهود إلى الوصول إلى نتائج غير مقصودة وعلى سبيل المثال، قادت قوانين التجارة المعاقبة والرادعة أصحاب العمل في ميدان الصناعة في إحدى الدول الآسيوية إلى القيام بشكل مفاجئ وسريع بفصل أعداد كبيرة من آلاف الأطفال في محاولة لاتخاذ الحيطة والإجراءات المسبقة قبل وقوع العقوبات عليها، والنتيجة النهائية أن الأطفال المفصولين من عملهم قد تحولوا إلى المهن الأخرى التي كانت لسوء الحظ أكثر ضرراً وإيذاءً لهم من الأعمال التي كانوا يقومون بها سابقاً في المجال الصناعي. ولم توجد أية حالة سجلت لعودة الأطفال إلى المدرسة.
ويشير هذا المثال إلى أن الإجراءات التي تركز فقط على قطاع صناعات معينة وتهمل الجوانب الأخرى للمشكلة، قد تدفع بالأطفال نحو الأعمال المخفية والصعب التعرف على مضارها وتحديد المشاركين فيها، ونحو القطاعات المنزلية الأقل تنظيماً وضبطاً.
كما تقترح هذه النتائج الحاجة إلى نقل الأطفال بعيداً عن قطاع العمل بأسلوب مرحلي ومخطط بدلاً من مجرد رميهم والإلقاء بهم بسرعة وبدون مساعدة إلى موقف أكثر وأشد سوءاً.
o أنه بات واضحاً أهمية التنسيق والتعاون بين منظمات المجتمع المدنى المعنية بحقوق الأطفال والدولة فى كافة القضايا التى تتعلق بحماية الطفل المصرى الذى يمثل ما يقؤب من نصف المجتمع...وأهمية الاتفاق على خطط قومية لرفع الوعى العام بمخاطر عمالة الأطفال وتأثيرها على صحة الطفل ونمائه، كذلك إعادة صياغة التشريعات المحلية بما يتوافق مع تعهدات مصر الدولية.
o أهمية العمل على تطوير قانون الطفل المصرى بما يتوافق مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، بأن يتضمن الحماية اللازمة من كافة الانتهاكات التى يتعرض لها الطفل المصرى، عن طريق تجميع وتطوير كافة المواد القانونية المنتشرة فى القوانين والتشريعات المصرية الاخرى ووضعها فى قانون جامع لحماية الطفل المصرى فى كافة الظروف...
o لا يمكن القضاء على ظاهرة معينة إلا إذا عولجت الأسباب التي أدت إلى ظهورها، ومن هنا فإن القضاء على ظاهرة عمالة الأطفال يتأتى من خلال معالجة الفقر الذي يدفع بالعائلات الفقيرة إلى تشغيل أطفالها.
o وإذا كان القضاء على الفقر أمرا صعبا فإن بالإمكان توعية المجتمع بأن عمل الأطفال يؤثر نفسيا وجسديا عليهم وينذر بتدهور مستواهم المعيشي والثقافي بل وحتى السلوكي في المستقبل.
o وحسب رأي الخبراء فإن التضحية بالمال الذي يأتي به عمل الأطفال حاليا، مهما كان ذلك صعبا، وتشجيع الأطفال على التعلم وبناء شخصية متوازنة، هو أفضل الطرق لتنشئة جيل سليم قادر على تأدية واجباته بشكل جيد في المستقبل.

يقول "بول هوفمان" في كتابه (عالم بلا فاقة) "ان رؤيتك لأولادك يشبون مكبلين بقيود الجهل في وقت لا تتوافر فيه الكلمة المكتوبة شيء، ولكن رؤيتك لهم مكبلين بقيود الأمية الدائمة في الوقت الذي تعرف فيه أن الهروب منه أمر ممكن شيء آخر، وإن تعرضك للمجاعة في وقت لا يتوافر فيه الغذاء شيء، ولكن تعرضك وتعرض أولادك للجوع في الوقت الذي تعرف فيه أن الطعام في متناول يدك شيء آخر"، ونحن نقول بأن دخول أطفالنا لمعترك الحياة العملية لتدهور الأوضاع الاقتصادية شيء، ولكن دخولهم إليها في ظل سوء إدارة لمواردنا الاقتصادية شيء آخر، فالمسؤولية عن اتساع رقعة عمالة الأطفال ومخالفة ذلك لحقوق الإنسان يعود بالدرجة الأولى لعدم تضافر جهود كافة الجهات المسؤولة للحد منها أو إنهائها، فتطوير وتحسين التعليم والتوعية المجتمعية بأخطار عمالة الأطفال أمورلا تحتاج إلى موارد اقتصادية كبيرة.
وكما أشارت الكثير من الدراسات فإن من الضروري أن يُترك الأطفال كي يعيشوا طفولتهم بعيدا عن القلق والمخاطر وباقي أعباء العمل التي لم يستعدوا بعد لتحملها والتي يمكن أن تترك تأثيرات جسدية ونفسية تؤثر سلبا على مستقبلهم.

ليست هناك تعليقات: