الأربعاء، 10 فبراير 2010

المشكلة السكانية والتنمية

يميل بعض علماء السكان إلى الفصل بين أبعاد المشكلة السكانية الثلاثة : حجم السكان، وتوزيعهم، وخصائصهم؛ فيركزون على تزايد الحجم، أو ما يسمونه بالانفجار السكاني، ويعتبرونه من أهم عوائق التنمية، مغفلين البعدين الآخرين : التوزيع، والخصائص، وخاصة من حيث تأثيرهما على حجم السكان، وتأثر الأبعاد الثلاثة بالظروف الاقتصادية – الاجتماعية التي يحيا في ظلها هؤلاء السكان. وهكذا نجد البعض يحذر - بشدة - من خطورة زيادة السكان، الذي يطلق عليه الغربيون"الانفجار السكاني"، بدعوى أن تزايد أعداد المصريين يعوق التنمية ويستنزف الموارد ويغرق مصر في الديون ويجعلها أكثر فقرا. ولكن في مقابل هذا الرأي، يوجد رأي آخر يقرر أصحابه أن مشكلة مصر الحقيقية ليست في التزايد السكاني أساسا، ولكنها في سؤ توزيع السكان والافتقار إلى التخطيط العلمي السليم، وأن التزايد السكاني ليس سببا للتخلف والفقر ولكن نتيجة لهما.

وتنبع المشكلة السكانية في مصر أساساً من عدم التوازن بين عدد السكان الذي بلغ حتى مايو 2008 حوالى ٧٨.٧ مليون نسمة، وفقاً لآخر تعداد سكاني، وبين الموارد والخدمات، وهو ما يفسّر عدم إحساس المصريين بثمار التنمية، رغم تضاعف الموازنة العامّة للدولة، ونموّ الاقتصاد المصري بمعدّل سبعة في المئة. وقد وصل عدد السكان إلى نحو 7ر76 مليون نسمة في تعداد عام 2006 مقابل نحو 5ر61 مليون نسمة في تعداد عام 1996 بارتفاع بلغت نسبته 7ر24 في المئة في عشرة أعوام. وتوقع مسح ديموغرافي أخير أن يصل عدد سكان مصر إلى نحو 6ر94 مليون نسمة بحلول عام 2017 ونحو 6ر118 مليون نسمة بحلول عام 2030 في حال ثبوت معدل الانجاب الكلي الحالي. ولفت إلى أنه إذا انخفض معدل الانجاب الكلي إلى مستوى 1ر2 طفل لكل سيدة بحلول عام 2017 فقد يصل عدد السكان إلى نحو 8ر89 مليون نسمة وإلى 6ر103 مليون نسمة بحلول عام 2030.

كما لا تقتصر المشكلة السكانية في مصر على زيادة عدد السكان فقط، بل أيضاً على التوزيع العمري لهؤلاء السكان، حيث إن نسبة كبيرة من سكان مصر تحت سنّ الـ١٥ عاماً، بالإضافة إلى النموّ الحضري العشوائي الذي أدّى إلى تفاقم المشكلة، بسبب سوء توزيع السكان على رقعة الدولة، حيث يمثّل سكان الحضر حوالى ٥٦.٩١٪ من إجمالي سكان مصر، وهو ما يعني انخفاض العاملين في الزراعة، وقلّة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها، وهو ما يؤدّي إلى الفجوة الغذائية[1]. أضف إلى ذلك تدنى الخصائص البشرية (الصحية – التعليميه – الاجتماعيه - الاقتصادية)، خصوصا الخصائص التالية :

· ارتفاع معدلات الأمية خاصة بين النساء، والزواج المبكر للإناث في مصر، وبالتالي الإنجاب المبكر. فلابد من رفع سن زواج الفتاة فى مصر إلى سن العشرين لكى تحصل الفتاة على حقها الطبيعى فى التعليم وتستطيع أن تساهم فى إختيار شريك عمرها وحتى يصبح الإنجاب فى سن مناسبة. أما عن مشاركة المرأة فى الحياة الإقتصادية والسياسية نجد أن نسبة مساهمة المرأة فى عضوية مجلس الشعب لا تتعدى 2% وفى مجلس الشورى 4% فقط وهما نسبتان ضئيلتان إلى حد بعيد، بينما أرتفع نصيب المرأة فى تولى المناصب القيادية من 7% عام 1988 إلى 15% عام 1998، وبلغت نسبة مشاركة المرأة فى الحياة الإقتصادية 18% عام 1984 زادت إلى حوالى 22% عام 1997.
· عمالة الأطفال : أشارت نتائج تعداد عام 1986 إلى أن هناك 1.4 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 11.6% من إجمالى قوة العمل، وقد أكدت نتائج بحث القوى العاملة بالعينة عام 1998 نفس الحجم تقريبا لعمالة الأطفال حيث بلغ 1.38 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 7.4 % من إجمالى قوة العمل. ترجع أسباب ظاهرة عمالة الأطفال إلى سببين هما: فقر الأسر التى يعمل أطفالها، واعتبار التعليم غير مجد لهذه الأسر حيث أن تعلم الطفل حرفة أفضل إقتصاديا للأسرة.
· ارتفاع معدلات وفيات الأطفال الرضع : بلغ معدل وفيات الأطفال الرضع حوالى 116 فى الألف عام 1970، إلا أن هناك تقدما ملحوظا حيث إنخفاض إلى 29 فى الألف عام 1998، إلا أن هذا المعدل لا يزال مرتفعا مقارنة بالدول المتقدمة.
· متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي : يعتبر ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي ذو صلة وثيقة بنجاح تنظيم الأسرة، حيث أظهرت البحوث الميدانية الخاصة بدراسة الخصوبة وتنظيم الأسرة أن الأسر الغنية هى الأسر الأكثر إقبالا على تنظيم الأسرة والأقل إنجابا للأطفال حيث أنها تريد الحفاظ على نفس المستوى الإقتصادى والإجتماعى، فى حين أن الأسر الفقيرة تعتمد على أطفالها فى زيادة دخلها نتيجة دفعهم إلى سوق العمل فى سن مبكرة.

الآثار المترتبة على الزيادة السكانية[2]:

1. ارتفاع معدلات البطالة وخاصة بين الخريجين الجدد.

2. ارتفاع عدد فرص العمل المطلوب توفيرها سنويا.

3. عدم القدرة على الإستيعاب الكامل في المدارس وتكدس الفصول وتعدد الفترات.

4. زيادة الواردات من السلع الإستهلاكية وبصفة خاصة القمح.

5. إرتفاع أعباء الحكومة نتيجة لزيادة حجم الدعم.

6- الهجرة الداخلية وتضخم المدن.

7. زيادة الاحتياجات من الوحدات السكنية.

8. الضغط الشديد على المرافق وخاصة مياه الشرب والصرف الصحى والطرق والمواصلات العامة.

مواجهة المشكلة السكانية :

أكدت دراسة حديثة حول المشكلة السكانية،أن مصر اختارت الطريق الأخلاقي الذي يراعي عادات وتقاليد المجتمع في مواجهة مشكلة الزيادة السكانية، وذلك عن طريق إقناع السيدات في مرحلة الإنجاب بأهمية المباعدة بين فترات الحمل باستخدام وسائل تنظيم الأسرة. وتابع الباحث: أن الطريق الأخلاقي هو الطريق الوحيد لمواجهة هذه المشكلة، مشيراً إلى أن مصر حققت نجاحاً بلغ إلى حدود إقناع ٦٠% من السيدات في مرحلة الإنجاب بالانضمام إلى برامج تنظيم الأسرة وتبني مفهوم الأسرة الصغيرة، إلا أنه منذ عام ١٩٩٧ وحتى اليوم لم يتحرك هذا الرقم كثيراً ودخل في حالة من التسطيح والثبات. وقال: أن وصول عدد المواليد الجدد إلى حدود ١.٨٥٠.٠٠٠ طفل جديد سنوياً يتزايدون كل عام، يمثل خطورة شديدة علي المجتمع في المستقبل القريب حيث أنه من المتوقع أن تصل هذه الزيادة بقوة الدفع الذاتي إلى حدود ٣.٢ مليون طفل جديد في عام ٢٠١٧ ليصل تعداد السكان وقتها إلى ١٠٢ مليون نسمة وليس كما هو متوقع حالياً، فأسوأ التقديرات تصل بهذا العدد إلى ٩٦ مليون نسمة وهذا ليس صحيحاً وهو ما يدعو إلى ضرورة المبادرة لمواجهة هذا الخطر فوراً ودون أي تأخير.

وكشفت الدراسة عن العديد من نقاط الخلل في البرامج السكانية وأهمها عدم استيعاب المجتمع المصري خطورة المشكلة السكانية وأبعادها والانعكاس المباشر لهذه المشكلة علي مستواه المعيشي، مع وجود قصور شديد في توصيل الرسالة الإعلامية المناسبة، وكذلك نمطية وتضارب الخطاب الديني اللازم لمواكبة عملية توصيل الرسالة الإعلامية، المرحلة المقبلة؛ إذ يتم التعامل مع المشكلة السكانية في مصر علي اعتبار أنها مشكلة طبية، ولذا شاب القصور جميع البرامج التي قامت بها وزارة الصحة والسكان للتعامل مع المجتمع، حيث كان مفهوم مشاركة المجتمع يتم تنفيذه علي استحياء في بعض القري وبعض المحافظات. ومن ثم فإن التعامل مع المشكلات القومية باعتبارها مشاريع صغيرة متفرقة في بعض القري أسلوب محكوم عليه بالفشل،إلى جانب الإفلاس الفكري حيث يتم حالياً اقتباس عشوائي للمشاريع السكانية من تجارب مجتمعات أخري دون اعتبار لخصوصية وتفرد المجتمع المصري، ويتم تنفيذها بمجهودات وأموال تذهب في النهاية أدراج الرياح بل بانعكاس سلبي حاد علي المفهوم العام لتنظيم الأسرة لدي المجتمع. والحق أنه لا يوجد برنامج واحد علي مستوي دول العالم يصلح للتطبيق في مصر حتي تلك البرامج التي يتشدقون بنجاحها في الدول الإسلامية كإيران وتونس، فلكل مجتمع خصوصيته، والمجتمع المصري متفرد عن هذه الشعوب وله خصوصياته وموروثاته الثقافية والاجتماعية التي يجب علينا مراعاتها بدقة وعناية عند وضع أي خطط أو برامج لمواجهة المشكلة السكانية في مصر[3].

وترتكز الخطّة القومية للسيطرة على الزيادة السكانية على أربعة محاور، يتمثّل الأول في نشر الوعي المجتمعي لتبني الأسرة الصغيرة عائلة مكوّنة من طفلين فقط، بينما يتمثّل المحور الثاني في تحسين وضع المرأة من خلال التعليم والعمل والاهتمام بصحّتها، حتى تكون صاحبة قرار في تحديد عدد أطفال أسرتها. وينص المحور الثالث على الارتقاء بمستوى الخدمات الصحّيّة والانجابية وتنظيم الأسرة، في حين ينص المحور الرابع على الاهتمام بمتابعة وتقييم هذه الخطّة بصورة ترفع كفاية نظم المعلومات السكانية. أما كيفية الوصول إلى الاستقرار السكانى (طفلان لكل أسرة عام 2017) فيستلزم اتباع السياسات التالية [4]:

1- اعتبار الإنفاق فى المجال السكانى جزءاً أساسياً من استثمارات الدولة التى يجب على المجتمع توفيرها ، على أساس أن التنمية البشرية الشاملة سوف تؤدى إلى تعظيم الانتفاع بمجمل موارد المجتمع . وزيادة الإنفاق العام على التعليم والصحة والثقافة، باعتبارها الأركان الثلاثة الأساسية اللازمة للتنمية البشرية الشاملة إضافة إلى النهوض بدور المرأة فى المجتمع.

2- مراجعة القوانين والتشريعات التى قد تتعارض مع أهداف وفلسفة السياسات السكانية. وضرورة تفعيل وتشديد القوانين والتشريعات التى تحد بل تمنع البناء على الأراضى الزراعية أو تحميلها لأى نشاط آخر.

3. التأكيد على أهمية التربية السكانية بالمدارس والجامعات والعمل على تطوير الخطط والبرامج الدراسية بحيث تصبح مادة إجبارية ضمن المناهج الدراسية.

4- التأكيد على استمرار إعداد وتدريب الطبيب والفريق الصحى فى مجال تنظيم الأسرة والارتباط المستمر بينه وبـين المجتمع.

5- العمل على تضييق الفجوة بين المعرفة بتنظيم الأسرة والممارسة الفعلية للتنظيم من خلال تحفيز المستهدفات على استخدام وسائل تنظيم الأسرة وإقناعهن بضرورة المباعدة بين كل حمل وآخر، وتأكيد أهمية الرضاعة الطبيعية لمدة سنتين، مع بيان أخطار الحمل المتكرر الذى يؤدى إلى ارتفاع نسبة وفيات الأمهات فى مصر. وتحفيز المواطنين على تطعيم أطفالهم ضد الأمراض الستة القاتلة وهى : شلل الأطفال، والتيتانوس، والدفتريا، والسعال الديكى، والدرن، والحصبة، وتوعيتهم بطرق الوقاية من أمراض الإسهال والجفاف.

6- التأكيد على أهمية توفير المعلومات على المستوى القومى، ومستوى الوحدات الإدارية الصغرى، وإجراء البحوث والدراسات ذات الصلة.

7- تشجيع الشباب على غزو الصحراء وتعميرها وزراعتها، مع إعطاء الأولوية لتعمير المشروعات الكبرى ، وتشجيع الإقامة والعمل فى المدن الجديدة .

8- التأكيد على أهمية دور الإعلام المرئي والمسموع والمقروء فى دفع وتحفيز جهود تنظيم الأسرة، مع تنويع الرسائل الإعلامية باختلاف المجتمع المستهدف، وخاصة غير المباشر منها، وتوفير التدريب اللازم لذلك. وزيادة الوقت المخصص لبرامج تنظيم الأسرة والبرامج السكانية، خاصة فى الشبكات المحلية بعد أن ثبت أن الإذاعة تلعب دوراً مهماً فى التعريف بتنظيم الأسرة فى الريف. وضرورة التنسيق بين مواعيد بث الموضوعات السكانية فى الشبكات الإذاعية المختلفة بحيث لا تذاع فى وقت واحد أو فى أوقات متقاربة . والاهتمام بتقديم البرامج السكانية فى الإذاعة والتليفزيون فى الأوقات التى ترتفع فيها كثافة الاستماع والمشاهدة .

9- التأكيد على قومية المشكلة السكانية، وعلى ضرورة إعتبارها من المشكلات العامة والحاكمة التى لا يمكن قصر مسئولياتها على قطاع أو وزارة بعينها، بل تقع المسئولية على كافة الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية وغير الحكومية والمؤسسات المعنية بالقطاع الخاص. وتعميق التعاون والتنسيق بين وزارة الصحة والسكان والوزارات الأخرى المعنية فى إعداد الخطط والسياسات السكانية والتنموية، والاضطلاع بدور حاسم فى التنفيذ والمتابعة؛ بغرض تعظيم وترشيد الجهود المجتمعية (حكومية وغير حكومية) فى كل ما يتعلق بالمسألة السكانية، وبحيث تكون علاقة المنظمات غير الحكومية بوزارة الصحة والسكان وأجهزتها نموذجاً يحتذى للتعـاون المثمر بين المنظمات الحكومية وغير الحكوميـة .

10- ضرورة تبنى المجتمع لبرنامج طموح لتنظيم الأسرة فى إطار برامج التنمية الشاملة، متضمنا برامج متكاملة تحقق نتائج أكثر إيجابية سواء بالنسبة لمستويات التنمية أو السيطرة على النمو السكانى، على أن يستهدف هذا البرنامج النزول بعدد الأطفال إلى طفلين فقط فى المتوسط لكل أسرة حتى عام 2017، وهو ما يتطلب أيضاً الوصول بنسب ممارسة تنظيم الأسرة إلى 75% من النساء المتزوجات فى سن الإخصاب. ولكى يحقق برنامج تنظيم الأسرة ثماره المرجوة، فلابد أن تتضافر الجهود الحكومية وغير الحكومية(جهود الأفراد والجماعات)، وأن يلتزم به - كما ذكرنا من قبل - المخططون والمنفذون ويقتنع به الممارسون . ومما هو جدير بالذكر أنه وطبقاً للدراسات فإن جملة الإنفاق فى مجال تنظيم الأسرة خلال الثمانية عشر عاماً القادمة وهو 2.6 مليار جنيه سوف توفر حوالى 78 مليار جنيه كانت ستنفق فى مجالات التعليم والصحة والإسكان ومياه الشرب والصرف الصحى ودعم السلع الغذائية للمواليد الجدد حتى عام 2017.

11- كسر حدة الزيـادة السـكانية (الزيادة الطـبيعية) وذلك بتفعيل أكثر لإقبال الشعب على استعمال وسائل تنظـيم الأسرة، وزيادة اسـتعمال الوسـائل ذات المفعول طويل المدى، والقضاء بشكل مستمر على الشائعات التى تؤثر على انتشار هذه الوسائل.

خاتمة :

الحق أن حجم السكان وخصائصهم يعتمد على طبيعة الظروف الاجتماعبة التي يعيشون فيها، وأنه بتغير هذه الظروف تتغير الخصائص السكانية؛ فالثابت تاريخيا أن عدد المصريين ارتبط ارتباطا إيجابيا بازدهار حضارتها، بمعنى تلازم زيادة حجم السكان وازدهار الحضارة، وعلى العكس من ذلك كان هناك تلازم بين فترات التدهور أو الركود الحضاري وانكماش حجم السكان في مصر، شأنهم في ذلك شأن بقية شعوب العالم حتي انقلبت هذه العلاقة رأسا على عقب في مجتمعات العالم، وظهرت بشكل عكسي واضح في النصف الثاني من القرن العشرين؛ إذ أصبح الازدهار والتقدم يرتبطان بانخفاض معدل الزيادة السكانية، بينما يرتبط التخلف بارتفاع هذا المعدل. والتفسير البسيط لهذه العلاقة الموجبة بين الازدهار الحضاري وحجم السكان قديما هو أن فترات الازدهار تعني وفرة في الإنتاج وقدرة على تزويد أعضاء المجتمع باحتياجاتهم الأساسية من غذاء وكساء ومأوى وظروف صحية أفضل، فينخفض معدل الوفيات، ويزداد معدل المواليد. أما في فترات الانحطاط والركود فيحدث العكس، حيث يرتفع معدل الوفيات، بفعل المجاعات والأمراض والأوبئة، وينخفض معدل المواليد، بفعل الظروف المعيشية المتدهورة.

ولكن ما حدث خلال القرن الماضي قلب هذه العلاقة رأسا على عقب؛ حيث أصبح التقدم يرتبط بانخفاض معدل الزيادة السكانية بينما يرتبط التخلف بارتفاع هذا المعدل. أما كيف حدث ذلك فيمكن إيراده على النحو التالي[5] :

1 - أدت الثورة الصناعية في البلدان الغربية إلى تقدم هائل في الفنون الإنتاجية وفي العلوم وإلى ارتفاع في مستوى المعيشة نجم عنه في البداية انخفاض في معدل الوفيات وارتفاع في معدل المواليد، وبالتالي ثورة سكانية أو انفجارا سكانيا. وكانت الزيادة، في ذلك الوقت، مرغوبة ومفيدة لحاجة الإنتاج الصناعي للأيدي العاملة.

2 - ابتداءً من أوائل عشرينات وثلاثينات القرن العشرين استمر معدل الوفيات في الانخفاض، ولكن صاحب ذلك انخفاض في معدل المواليد؛ مما قلل من معدل الزيادة السكانية في البلدان الصناعية الغربية. ويرجع انخفاض معدل المواليد إلى أن النمو الصناعي قد أدى إلى :

أ – اختفاء نمط الأسرة التقليدي الذي كان سائدا في الاقتصاد الزراعي، وظهور نمط الأسرة الحديثة قليلة العدد؛ وذلك لما نجم عن النمو الصناعي من آثار تتمثل في :

- تعلم المرأة وخروجها للعمل.
- حدوث انفصال بين عمل المرأة الاقتصادي وعملها المنزلي.
- انفصال عملية تعليم وتدريب الأطفال والشباب عن العمل المنتج.
- ارتفاع مستوى دخل الفرد.
- اكتساب عادات وقيم وأنماط سلوك جديدة.
- أصبح الأطفال والشباب يمثلون كلفة اقتصادية على الأسرة؛ نظرا لطول فترة تدريبهم قبل دخول مجال العمل، مما جعلها تميل إلى تخفيض عدد الأطفال.

ب – أن التطور السريع في الفنون الإنتاجية لم يعد في حاجة إلى كثرة الأيدي العاملة بفعل عمليات الميكنة الذاتية. وهكذا ارتبط انخفاض معدل الزيادة السكانية بالتقدم الاقتصادي-الاجتماعي في البلدان الصناعية الغربية.

3 - أما في البلدان النامية، والتي لم تكن- بصفة عامة - أقل تقدما بكثير من البلدان الأوربية عشية الثورة الصناعية، حيث كان الفرق بينها وبين أوروبا فرقا كميا أكثر منه كيفيا، فإنها بعد أن تعرضت للاستعمار ونهب ثرواتها واستنزافها وتوقف نمو سكانها الاقتصادي، ظلت بلدانا زراعية في الأغلب ولم تشهد تصنيعا يذكر، بل إن من بينها ما تعرض لتوقف صناعته المتقدمة، مثل مصر أيام محمد علي، والهند. وقد شهدت هذه البلدان تزايدا ملحوظا في معدل نمو سكانها، في البداية، نظرا للانخفاض النسبي الذي طرأ على معدلات الوفيات، بفعل الحد من عوامل الأمراض والأوبئة من قبل المستعمرين لتوفير ظروف مناسبة لمعيشتهم، وبفعل توفير فرص عمل في المشروعات اللازمة للمستعمرين، مثل : الطرق والسكك الحديدية والموانئ...الخ. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية طرأ انخفاض كبير على معدل الوفيات؛ نظرا لإدخال الأساليب الجديدة للوقاية من الأوبئة والأمراض مثل ال D.T.T. والتطعيم، ولكن ظل معدل المواليد على ما هو عليه؛ لأنه لم تحدث تغيرات هيكلية في الاقتصاد مثل تلك التي حدثت في البلدان الصناعية، واستمر بها نمط الأسرة التقليدية كبيرة العدد الملائمة لها.

ولم يكن الانخفاض الذي طرأ على معدل الوفيات في الدول النامية راجعا إلى عوامل داخلية، كما هو الحال في دول غرب أوروبا، بل كان – في أغلب الأحوال – نتيجة لعوامل خارجية. فمنذ الحرب العالمية الثانية، لم تتغير ظروف الإنتاج، ولا أوضاع الحياة الاقتصادية والاجتماعية، على نحو يبرر داخليا الانخفاض الهائل والسريع الذي طرأ على معدل الوفيات، كما لم توجد بعد الظروف أو البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على تخفيض معدل المواليد؛ فما زالت غالبية هذه الدول دولا زراعية، وما زال الجزء الأكبر من سكانها يعملون بالزراعة، ويعيشون بالريف، ولا تزال جزءاً لا يتجزء من السوق الرأسمالي العالمي، وفي حالة تبعية شبه كاملة لهذه السوق، وما زال متوسط دخل الفرد وإنتاجيته منخفضين، وما زال مستوى المعيشة للسواد الأعظم من السكان منخفضا، بل ويعيشون على حد الكفاف، ويقع جزء مهم منهم تحت خط الفقر المطلق[6].

وهذه الأوضاع هي عكس الأوضاع التي سادت دول غرب أوروبا من حيث حدوث تحسن واضح في مستوى دخل الفرد، وفي الرفاهية العامة، وفي سرعة التحول إلى الصناعة والإنتاج الكبير وتطوير فنون الإنتاج والبحث العلمي والطبي. وهي أمور لا يخفى ما لها من تأثير كبير في خفض معدل الوفيات، بل إن هذه الأمور هي التي عملت من جهة أخرى على خفض المواليد. وعلى هذا فإن معدل المواليد المرتفع في البلدان النامية لن ينخفض إلا بحدوث تغييرات جوهرية في هذه البلدان يترتب عليها الاتجاه إلى التصنيع؛ مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى المعيشة، وارتفاع مستوى التعليم، واشتغال المرأة[7].

ومما يدلل على صحة هذه الاستنتاجات توزيع سكان مصر على الريف والحضر؛ فغالبية سكان مصر تعيش في الريف، حيث يسود نمط الإنتاج الزراعي، على الرغم من انخفاض هذه النسبة من 82% عام 1907 إلى 56% عام 1986. ولكن زيادة نسبة سكان المدن التي تكشفها الأرقام السابقة لا تعني التحول إلى نمط النشاط الإنتاجي الصناعي، كما هو الحال بالنسبة للبلدان الصناعية التي نمت فيها المدن – أساسا – بفعل التصنيع، ولكنها تعني مجرد بعض الزيادة في النشاط الصناعي في المدن، علاوة على ميل سكان الريف للهجرة إلى المدن للبحث عن فرص أفضل للعمل وللحياة، وازدياد النشاط في مجال الخدمات والأعمال الهامشية، فضلا عن القرارات الإدارية بتغيير تسمية بعض المناطق من قرى إلى مدن. ومما يؤكد صدق ارتباط ارتفاع معدل المواليد بنمط النشاط الإنتاجي(صناعي أم زراعي)، المقارنة بين المعدل في ريف مصر وبينه في حضرها، فمعدل المواليد في الريف المصري أعلى منه في الحضر؛ حيث ينخفض إلى 31.5 في الألف في أكثر مناطق مصر تحضرا وابتعادا عن النشاط الزراعي (القاهرة والاسكندرية)، ويرتفع إلى 45.5 في الألف في أكثر مناطق مصر تريفا (ريف الوجه القبلي).

ومع أن مصر قد شهدت بعضا من النمو الصناعي، إلا أنه ظل محدودا بفعل التقسيم الدولي للعمل واحتكار الدول الرأسمالية الصناعية للسوق العالمي والتجارة الدولية، وتغلغلها داخل السوق المصري – ذاته – بمنتجاتها التي لا تستطيع المنتجات المصرية منافستها؛ نظرا لعدم التطور التكنولوجي في مصر. وما زال القطاع الصناعي لا يسهم بأكثر من خمس الناتج القومي الكلي. كما أن نسبة القوى العاملة في الصناعة لا تتعدى 12.7% في مقابل 46.6% في الزراعة. أي أن دور الصناعة في بناء الاقتصاد القومي المصري ما زال دورا ضئيلا، كما أن الصناعة المصرية تتسم بالاعتمادية على الخارج؛ حيث تستورد معظم الموارد اللازمة لها. أضف إلى ذلك أن توزيع الصناعة في مصر يتسم بالتركيز الشديد في مناطق محدودة جدا من القطر المصري، حيث تتركز الصناعات في مدينة القاهرة الكبرى، والاسكندرية، ثم الغربية والبحيرة حيث صناعة النسيج. ومعنى هذا أنه، فيما عدا هذه المناطق يسود نمط النشاط الإنتاجي الزراعي، وما يصاحبه من أسلوب حياة وظروف اقتصادية واجتماعية يثبت ارتباطها بارتفاع معدل المواليد في مصر.

وقد قامت "ساره لوزا" بإجراء دراسة ميدانية عن العلاقة بين التصنيع والخصائص السكانية والسلوك الإنجابي؛ حيث قارنت بين السكان في بعض المناطق الصناعية والسكان في المناطق الريفية، وخرجت منها بنتائج تؤكد العلاقة بين التصنيع وانخفاض معدل المواليد ومعدل الزيادة السكانية، نجملها فيما يلي :

1. يؤدي التصنيع إلى تحول البيئة التي يعيش فيها الناس إلى بيئة حضرية تتسم بارتفاع المستوى الاجتماعي والثقافي والتعليمي والصحي للسكان، وازدياد كافة مرافق الخدمات الخاصة بها، كما تتسم بتحسن وسائل النقل والمواصلات والاتصالات، وتتوفر فيها الكهرباء والمياه، وتزداد فرص العمل والنمو الاقتصادي.

2. تؤثر البيئة التي يعيش فيها الناس على أنماطهم السلوكية، بوجه عام، أكثر من تأثير نوعية العمل الذي يقومون به؛ فالعمال الذين يعيشون في بيئة ريفية، وينتقلون للعمل في المصانع، لا يتأثرون، في أنماطهم السلوكية، مثل الذين يقيمون في البيئة الحضرية الصناعية.


3. وضحت النتائج ارتباط البيئة الحضرية الصناعية بتأجيل سن زواج الإناث، واستخدامهن لوسائل منع الحمل، وقصر فترة إدرار لبن الثدي، وهي عوامل ثلاثة تؤثر على خصوبة المرأة.

4. أكدت النتائج ارتباط البيئة الحضرية الصناعية بأسلوب حياة الأسرة، من حيث ارتفاع مستوى الاستهلاك والدخل السنوي للفرد، ودرجة تحضر الزوجة ودرجة تعليمها، وارتفاع مستوى الاهتمام بتعليم الأطفال ورفاهيتهم، وانعكس ذلك كله على السلوك الإنجابي، فانخفض عدد الأطفال الذين تنجبهم الأسرة[8].

ويترتب عل ذلك أن التقدم أو التطور الاقتصادي الاجتماعي لمصر، وفقا لاستراتيجية قومية للتنمية الشاملة، يرتبط ارتباطا عضويا بموضوع تزايد السكان فيها؛ فهذه الاستراتيجية لابد أن تستغل كافة القوى البشرية المصرية في مشروعات إنتاجية ضخمة، وتعيد توزيع السكان على مساحة مصر الشاسعة من جهة، كما أن كل تقدم اقتصادي اجتماعي سوف ينعكس على معدل تزايد السكان من جهة أخرى؛ نظرا لتوفر الظروف الموضوعية لتقليل معدل المواليد ومعدل الخصوبة، والتحول للإنتاج الصناعي، وعمل المرأة، والتعليم، والثقافة، وارتفاع مستوى المعيشة...الخ.
[1] http://www.almushahidassiyasi.com/ar/6/5928
[2] http://www.geocities.com/ayahenawy/population.htm
[3] http://www.arabianbusiness.com/arabic/522070
[4] http://www.geocities.com/ayahenawy/population.htm
[5] رمزي زكي، المشكلة السكانية وخرافة المالتوسية، عالم المعرفة، الكويت، 1984. ص ص 257-334.
[6] المرجع السابق، ص 333.
[7] سمير نعيم أحمد، أهل مصر : دراسة في عبقرية البقاء والاستمرار، المؤلف، ط1، 1993 ص ص 23- 24.
[8] Sarah Loza, Industrialization and Population Dynamics and Characteristics, The Supreme Council for Population and Family Planning, Research Monographs, No.9 P14.

الأبعاد الاجتماعية للمشكلة السكانية


التعريف بالمشكلة السكانية:
هي عدم التوازن بين عدد السكان والموارد والخدمات وهي زيادة عدد السكان دون تزايد فرص التعليم والمرافق الصحية وفرص العمل وارتفاع المستوى الاقتصادي فتظهر المشكلة بشكل واضح وتتمثل بمعدلات زيادة سكانية مرتفعة ومعدلات تنمية لا تتماشى مع معدلات الزيادة السكانية وانخفاض مستوى المعيشة، أي أنه لا ينظر إلى الزيادة السكانية كمشكلة فى حد ذاتها وإنما ينظر إليها فى ضوء التوازن بين السكان والموارد فهناك كثير من الدول ترتفع فيها الكثافة السكانية ولكنها لا تعانى من مشكلة سكانية لأنها حققت توازنًا بين السكان والموارد. والمشكلة السكانية لا تتمثل فقط بالزيادة السكانية إنما تتمثل أيضاً بالنقصان السكاني، وبالتالي فإن الأزمات والمشكلات المرتبطة بالمشكلة السكانية تعرب عن نفسها من خلال نقص الأيدي العاملة وتدني مستوى الانتاجية ومشاكل مرتبطة بالأسرة.. الخ، بهذا المعنى نجد أن المشكلة السكانية لا يوجد لها قانون عام ولا تأخذ نفس المعنى والنتائج نفسها في كل المجتمعات وعلى اختلاف المراحل، بل لكل مجتمع ولكل مرحلة معطياتها الاقتصادية.. الخ هي التي تحدد طبيعة هذه المشكلة السكانية.
وتنبع المشكلة السكانية في مصر أساساً من عدم التوازن بين عدد السكان الذي بلغ حتى مايو 2008 حوالى ٧٨.٧ مليون نسمة، وفقاً لآخر تعداد سكاني، وبين الموارد والخدمات، وهو ما يفسّر عدم إحساس المصريين بثمار التنمية. وقد وصل عدد السكان إلى نحو 7ر76 مليون نسمة في تعداد عام 2006 مقابل نحو 5ر61 مليون نسمة في تعداد عام 1996 بارتفاع بلغت نسبته 7ر24 في المئة في عشرة أعوام. وتوقع مسح ديموغرافي أخير أن يصل عدد سكان مصر إلى نحو 6ر94 مليون نسمة بحلول عام 2017 ونحو 6ر118 مليون نسمة بحلول عام 2030 في حال ثبوت معدل الإنجاب الكلي الحالي. أضف إلى هذا ارتفاع الكثافة السكانية التي نتفوق بها علي الصين حيث تبلغ هناك حوالي ٩00 في الكيلو متر المربع بينما هي ٢000 بنفس الوحدة في بلدنا التي تبلغ إجمالي مساحتها مليون كيلو متر مربع بينما يعيش 84% من السكان على مساحة 6% من المساحة الكلية لمصر.

كما لا تقتصر المشكلة السكانية في مصر على زيادة عدد السكان فقط، بل أيضاً على التوزيع العمري لهؤلاء السكان، حيث إن نسبة كبيرة من سكان مصر تحت سنّ الـ١٥ عاماً، بالإضافة إلى النمو الحضري العشوائي الذي أدى إلى تفاقم المشكلة، بسبب سوء توزيع السكان على رقعة الدولة، حيث يمثل سكان الحضر حوالى ٥٦.٩١٪ من إجمالي سكان مصر، وهو ما يعني انخفاض العاملين في الزراعة، وقلّة المنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها، وهو ما يؤدّي إلى الفجوة الغذائية. أضف إلى ذلك تدنى الخصائص البشرية (الصحية – التعليميه – الاجتماعيه - الاقتصادية)، خصوصا الخصائص التالية:
· ارتفاع معدلات وفيات الأطفال الرضع : بلغ معدل وفيات الأطفال الرضع حوالى 116 فى الألف عام 1970، إلا أن هناك تقدما ملحوظا حيث إنخفاض إلى 29 فى الألف عام 1998، إلا أن هذا المعدل لا يزال مرتفعا مقارنة بالدول المتقدمة.
· انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال: تحسن الأوضاع الصحية أدى إلى انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المواليد مما ترتب عليه زيادة عدد السكان. في حين أن تحسن الأوضاع الصحية أدى إلى زيادة متوسط عمر الفرد مما ترتب عليه زيادة كبار السن وزيادة نسبة الإعالة.
· عدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة بالرغم من الرغبة في منع أو تأجيل الحمل خوفاً من الآثار الجانبية للوسائل‏. وقصور دور الإعلام الجماهيري، وعدم كفاية الرائدات الريفيات.
· ارتفاع معدلات الأمية خاصة بين النساء، والزواج المبكر للإناث في مصر، وبالتالي الإنجاب المبكر. فلابد من رفع سن زواج الفتاة فى مصر إلى سن العشرين لكى تحصل الفتاة على حقها الطبيعى فى التعليم وتستطيع أن تساهم فى إختيار شريك عمرها وحتى يصبح الإنجاب فى سن مناسبة.
· انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي : يعتبر انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي ذو صلة وثيقة بنجاح تنظيم الأسرة، حيث أظهرت البحوث الميدانية الخاصة بدراسة الخصوبة وتنظيم الأسرة أن الأسر الغنية هى الأسر الأكثر إقبالا على تنظيم الأسرة والأقل إنجابا للأطفال حيث أنها تريد الحفاظ على نفس المستوى الإقتصادى والإجتماعى، فى حين أن الأسر الفقيرة تعتمد على أطفالها فى زيادة دخلها نتيجة دفعهم إلى سوق العمل فى سن مبكرة.
· عمالة الأطفال : أشارت نتائج تعداد عام 1986 إلى أن هناك 1.4 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 11.6% من إجمالى قوة العمل، وقد أكدت نتائج بحث القوى العاملة بالعينة عام 1998 نفس الحجم تقريبا لعمالة الأطفال حيث بلغ 1.38 مليون طفل عامل فى سن أقل من 15 سنة وهم يمثلون 7.4 % من إجمالى قوة العمل. ترجع أسباب ظاهرة عمالة الأطفال إلى سببين هما: فقر الأسر التى يعمل أطفالها، واعتبار التعليم غير مجد لهذه الأسر حيث أن تعلم الطفل حرفة أفضل إقتصاديا للأسرة.
ويرى البعض أن الطموح الاجتماعي والاقتصادي للأفراد ورغبتهم في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية داخل البناء الطبقي يمكن أن يشكل أبرز الدوافع للأخذ بوسائل تنظيم الأسرة. وأوضح ديمون أن الخصوبة السكانية تتناسب تناسبا عكسيا مع الارتقاء الاجتماعي؛ فالفرد يميل إلى الصعود إلى مستويات أعلى من بيئته وهو، في هذا الصعود، يصبح -من وجهة النظر الثقافية- أقل اهتماما بموضوع الإنجاب؛ إذ ينشغل بالتقدم الشخصي عن إنجاب الأطفال. ويرى فرانكFrank أن أكثر الأسر استقرارا وثراءً هي –في الواقع– أكثرها خوفا من الفقر؛ فالأسرة الغنية تخشى تفتيت الملكية على عدد كبير من الأبناء فتلجأ لتنظيم النسل، أما الأسرة الفقيرة فتعتبر الأطفال أحد العوامل الأساسية لزيادة دخل الأسرة ويتم ذلك بدخول هؤلاء الأبناء سوق العمل والإنتاج في سن مبكرة نسبيا، والأثرياء وحدهم يعلمون أن تقسيم الملكية بين كثير من الأبناء سوف يجعل هؤلاء الأبناء عاجزين عن الاحتفاظ بمكانتهم في المجتمع[1].

القيم الاجتماعية المرتبطة بالإنجاب:
تشير القيم إلى تصورات معينة يرغب فيها الناس أما الاتجاهات فتتضمن المواقف التي يتخذها الأفراد في مواجهة القضايا المحيطة بهم. وتتكون من أبعاد معرفية وسلوكية وانفعالية بشأن الوجود الاجتماعي.
ولاشك أن نسق القيم في المجتمع هو الذي يحدد العدد المناسب من الأطفال والنوع المفضل (ذكور أم إناث)، والقيم الخاصة بالطفولة ومعاملة كبار السن، ونظرة الأفراد للهجرة الداخلية إلى المدن، واتجاه المجتمع نحو اشتغال المرأة خارج المنزل وأي الأعمال يستحسن أن تشتغل بها، والموقف من تنظيم الأسرة والإجهاض والسن المفضل للزواج، وغيرها.
ويشير لوريمر Lorimer إلى الفروق الثقافية في القيم وأثرها في الموقف من الخصوبة؛ ففي بعض الثقافات التقليدية تتجه القيم إلى تقديس العائلة الكبيرة، وقد يؤدي الجمود العقائدي إلى الإسراف في الإنجاب، ولايتم الأخذ بوسائل تنظيم الأسرة. ومن ثم فقد يؤدي ذلك إلى إعاقة مشاريع التنمية الاجتماعية برمتها.
ومن المعتقد أن نسق القيم المتأثر بالتصنيع والتحضر والزراعة الآلية يكون –عادة– أكثر مرونة -لتأثره بالتغيرات الاجتماعية السريعة في المجتمع– من نظيره في المجتمعات التقليدية[2]. وقد قامت "ساره لوزا" بإجراء دراسة ميدانية عن العلاقة بين التصنيع والخصائص السكانية والسلوك الإنجابي؛ حيث قارنت بين السكان في بعض المناطق الصناعية والسكان في المناطق الريفية، وخرجت منها بنتائج تؤكد العلاقة بين التصنيع وانخفاض معدل المواليد ومعدل الزيادة السكانية، نجملها فيما يلي[3]:
1. يؤدي التصنيع إلى تحول البيئة التي يعيش فيها الناس إلى بيئة حضرية تتسم بارتفاع المستوى الاجتماعي والثقافي والتعليمي والصحي للسكان، وازدياد كافة مرافق الخدمات الخاصة بها، كما تتسم بتحسن وسائل النقل والمواصلات والاتصالات، وتتوفر فيها الكهرباء والمياه، وتزداد فرص العمل والنمو الاقتصادي.
2. وضحت النتائج ارتباط البيئة الحضرية الصناعية بتأجيل سن زواج الإناث، واستخدامهن لوسائل منع الحمل، وقصر فترة إدرار لبن الثدي، وهي عوامل ثلاثة تؤثر على خصوبة المرأة.
3. أكدت النتائج ارتباط البيئة الحضرية الصناعية بأسلوب حياة الأسرة، من حيث ارتفاع مستوى الاستهلاك والدخل السنوي للفرد، ودرجة تحضر الزوجة ودرجة تعليمها، وارتفاع مستوى الاهتمام بتعليم الأطفال ورفاهيتهم، وانعكس ذلك كله على السلوك الإنجابي، فانخفض عدد الأطفال الذين تنجبهم الأسرة.
غير أن أبرز النظم المؤثرة في نسق القيم والاتجاهات في أي مجتمع من المجتمعات تتمثل في النظام التعليمي؛ فبقدر ازدياد اهتمام السكان بالتعليم وخاصة بالنسبة للفتاة، يتأثر سن الزواج، كما تتأثر الاتجاهات الخاصة بالسلوك الإنجابي وتنظيم الأسرة –بالضرورة– بالتعليم، بل إن بعض الظواهر مثل: الطلاق، وتعدد الزوجات تتأثر –بصورة جلية– بالتعليم، وهو ما يبدو واضحا في المدن التي تزداد معدلات التعليم فيها يزداد اهتمام الأسر فيها بالأخذ بوسائل تنظيم الأسرة[4].
وتنتشر في المجتمع المصرى بعض القيم المرتبطة بزيادة النسل والإنجاب مثل: زيادة عدد الأولاد يؤدى إلى ربط الزوج، والرغبة في إنجاب الذكور، كثرة الإنجاب والرغبة في تكوين عزوة، زيادة الإنجاب للمساعدة في العمل في المجتمعات الزراعية. وشيوع معتقدات دينية خاطئة عند بعض الفئات من المجتمع، وضعف الاقتناع بمبدأ طفلين لكل أسرة مع عدم وضوح الفرق بين انجاب طفلين أو ثلاثة أطفال لدي كثير من الأسر بالاضافة الي رغبة الأسرة في إنجاب طفل من كل نوع حتي ولو اضطرهم ذلك الي انجاب طفل ثالث للحصول علي النوع المطلوب وخاصة الطفل الذكر وهو مايعتبر من الموروثات الاجتماعية الخاطئة‏.
مواجهة المشكلة السكانية:
للتغلب على المشكلة السكانية بآثارها الاقتصادية والاجتماعية لابد من السير في اتجاهين هما: تنظيم الأسرة، والتنمية الاقتصادية. وأن تركز السياسة الشاملة على مواجهة الأبعاد الثلاثة المتعلقة بالمشكلة وهى النمو والتوزيع والخصائص. ومن أساليب مواجهة المشكلة السكانية:
1- زيادة الإنتاج والبحث عن موارد جديدة. والاهتمام بتوفير فرص العمل للقضاء علي الفقر وإنشاء مشروعات صغيرة خاصة في المناطق العشوائية وذات الزيادة السكانية ويفضل الاستفادة من فكرة بنك القروض المتناهية في الصغر(بنك جرامين).
2- الحد من زيادة السكان بإصدار التشريعات، مثل: رفع سن الزواج، وربط علاوات العمل والاعفاءات الضريبية بعدد الأبناء، بمعنى إعفاء الأسر محدودة الدخل من أنواع معينة من الرسوم والضرائب أو منحها تأمينا صحيا شاملا أو الحصول علي دعم غذائي مجاني أو منح الأم التي تبلغ الخمسين مكافأة مالية إذا التزمت بطفلين وترفع عنها هذه المميزات إذا تجاوزت هذا الشرط‏. وتقديم حوافز للقري والمدن التي تحقق انضباطا في وقع الزيادة السكانية عبر خدمات ومشروعات تقام فيها‏.‏ ‏والاستفادة من تطبيق القوانين التى صدرت مؤخراً، وخاصة قانون الطفل الذى يجرم عمالة الأطفال كأحد المداخل المهمة وغير المباشرة لمواجهة المشكلة السكانية.
3- يجب وضع إستراتيجية إعلامية متكاملة تستهدف إقناع الأسر المصرية بثقافة الطفلين فقط، والربط بين القضية السكانية والقضايا الأخرى المتصلة بها مثل الأمية والمساهمة الاقتصادية للمرأة وعمالة الاطفال والتسرب من التعليم، وتنمية الثقافة السكانية والتوعية بمشكلاتها.
4- عودة القطاع الخاص للمساهمة في حل المشكلة السكانية أصبح ضرورة ملحة ممثلا في قطاع رجال الأعمال والشركات الكبري وصولا إلي المساجد والكنائس والمدارس الريفية وذات الفصل الواحد.
5- الاهتمام بالخصائص السكانية وتبني برامج فعالة للتنمية البشرية في محو الأمية والتعليم والصحة لمردودها المباشر علي السكان.
6- من الأهمية بمكان التركيز علي فئة الشباب لترسيخ مفاهيم الأسرة الصغيرة والتخطيط الإنجابي والمساواة بين الجنسين حيث انهم يمثلون آباء وأمهات المستقبل وهم الطريق الي تحقيق الهدف القومي المتمثل في طفلين لكل أسرة‏. ويمكن أن يساهم الشباب في حل هذه المشكلة عن طريق نشر التوعية والتحذير من خطورة الزيادة السكانية وأثرها على التنمية. ويمكنهم المساعدة في التخطيط السكاني عن طريق البحوث الميدانية للمشكلة؛‏ لمساعدة متخذي القرار‏.‏ ويجب على الشباب المشاركة التطوعية في العمل العام‏,‏ وعلى منظمات المجتمع المدني أن ترحب بعمل الشباب التطوعي من الجنسين.
7- تفعيل فكرة التوزيع السكاني من خلال خطط جذب السكان للمناطق الجديدة، وغزو الصحراء وإعادة النظر في خريطة توزيع السكان؛ فمصر من الناحية العددية تستوعب ضعف عددها الحالي ذلك أن المصريين يعيشون على 6% من مساحة مصر، بينما تحتاج 94% من مساحة مصر أن تكون مأهولةً بالسكان، وأن المصريين مكدَّسون في 3 محافظات، وباقي المحافظات بها خلخل سكاني رهيب.
8- زيادة الاهتمام بصعيد مصر؛ حيث إن 25% من سكان مصر يسكنون فى ريف الصعيد، وهم مسئولون عن 41% من الزيادة السكانية، كما أن للرجل فى صعيد مصر دورا مهما وكبيرا فى مواجهة المشكلة السكانية، حيث إن الرجل هو صاحب القرار فى الصعيد. ومن بين الأساليب غيرالتقليدية إحياء مشروع "الدوار"، وذلك لمناقشة الرجال فى كل ما يتعلق بتنطيم الأسرة، وسيكون لهم فاعلية فى إنجاح برامج تنظيم الأسرة وخاصه فى الريف، كما يجب إدخال رجال الدين والعمده، وجميع الفئات الفاعلة والعاملة فى هذا المجال خاصة المجالس الشعبية والتنفيذية.
[1] ثروت اسحق، علم الاجتماع ودراسة السكان، كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1986 ص ص 58-59.
[2] المرجع السابق ص ص 168-170.
[3] Sarah Loza, Industrialization and Population Dynamics and Characteristics, The Supreme Council for Population and Family Planning, Research Monographs, No.9 P14.
[4] وداد مرقص، دراسات تحليلية، جهاز تنظيم الأسرة والسكان، القاهرة، 1981 ص 43.

دور الجمعيات الأهلية في نشر ثقافة التطوع

تمثل الجمعيات الأهلية جزءاً من القطاع المجتمعي في المجتمعات الحديثة، وتقع تلك الجمعيات بين القطاعين العام والخاص. وتعد تلك الجمعيات بمثابة منظمات ربط ووصل بين مكونات المجتمع. وعلى الرغم من اختلاف الجمعيات من حيث الحجم، والأهمية، ومناط الاهتمام بين الدول والثقافات المختلفة، فإن لتلك الجمعيات وظائف متشابهة؛ فهي تناصر الفقراء والضعفاء، وتسعى للتغيير الاجتماعي، وتقدم الخدمات الاجتماعية، وفي بعض الدول تمثل الأداة الرئيسية لتوزيع ونشر الرفاهية الاجتماعية.

ويلاحظ من خلال واقع خبرات العمل الأهلي في بلاد عديدة من العالم أن الجمعيات الأهلية تنقسم إلى ثلاث فئات كبرى هي:
1- جمعيات تهدف إلى مساعدة الأفراد والأسر غير القادرة، بما في ذلك تلك التي تنشأ لغرض المساعدة الذاتية بين الناس غير القادرين، مثل: الجمعيات الأهلية الإسلامية.
2- جمعيات تتكون بناءً على اهتمام عام مشترك، أو بهدف العمل في مجال محدد ولأغراض تحقيق منافع جماعية، مثل: جمعيات حماية حقوق المستهلك.
3- جمعيات ذات طابع عالمي، مثل: جمعيات حماية البيئة، ودعم دور المرأة.

وفي ظل هذا العالم المتغير، تتضح حدود أبعاد دور الجمعيات الأهلية، وهذه الحدود تنطلق من خلال النظر إلى أهمية الاعتماد على مثلث متساوي الأضلاع (الدولة – القطاع الخاص – القطاع الأهلي)، وهذا المثلث إذا تساوت أضلاعه سوف يحل إشكالية التنمية عالمياً ومحلياً.

وتقوم فكرة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني على التعاون والتكامل بين الأطراف الثلاثة، مع تحديد مجالات العمل والنشاط لكل طرف، بهدف تعبئة أفضل لإمكانيات المجتمع، وإدارة أكثر رشاداً لشؤون الدولة. كما تقوم هذه الشراكة على تغير النظرة السائدة في كل دول العالم حول استناد التنمية في كل أصولها ونتائجها على دور الدولة - فقط - أو دور القطاع الخاص - فقط - حيث أصبح هناك اقتناع بأن تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة قائم - بصورة أساسية - على توفير فرص المشاركة لكل المجتمع بكل فاعلياته وبمختلف تنظيماته؛ فقد تطورت النظم الاقتصادية العالمية، وبالتالي تطورت النظم الاجتماعية في معظم المجتمعات، وحدث تغيير واسع باتجاه الاقتصاد الحر في أغلب دول العالم، وأصبح دور الدولة متغيراً، في الوقت الذي مازال دور الدولة مطلوباً وعليها مسؤوليات أساسية، ولكنها أصبحت تعتمد على القطاع الخاص في دور استراتيجي في التنمية، وأصبح – أيضاً- للقطاع الأهلي دور آخر كشريك كامل في التنمية. لذا تمثل الجمعيات الأهلية وحدات بنائية في المجتمع، بما تستهدفه من إشباع لاحتياجات الأفراد والجماعات لتحقيق التنمية المتواصلة المنشودة في المجتمع.

مفهوم التطوع:
يُعرف العمل التطوعي بأنه: "عملية إسهام المواطنين تطوعاً في أعمال التنمية، سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل أو غير ذلك".
أو هو "الجهد الذي يبذله الإنسان من أجل مجتمعه أو من أجل جماعات معينة، وفيه يتحمل مسؤوليات العمل من خلال المؤسسات الاجتماعية القائمة؛ إرضاءً لمشاعر ودوافع إنسانية داخلية خاصة تلقى الرضا والقبول من جانب المجتمع".
أو هو "الجهد والعمل الذي يقوم به فردٌ أو جماعة أو تنظيم طواعية واختياراً، بهدف تقديم خدمة للمجتمع أو لفئة منه، دون توقع جزاء مادي مقابل جهوده".

خصائص التطوع:
- جهد وعمل يلتزم به الفرد طواعية من غير إلزام.
- عمل غير مأجور مادياً.
- عمل يهدف إلى سد ثغرة في مجال الخدمات الاجتماعية.
- تنظيم محكوم بأطر إدارية مؤسسة جماعية (جمعيات عمومية، مجلس أمناء).
- تنظيم لا يهدف للربح المادي، ولا يستفيد منه أعضاء المؤسسة الذين يشرفون عليه، ولا يحققون أرباحاً شخصية توزع عليهم.
- تنظيم تحكمه تشريعات محددة تنظم أعماله، ويعتمد على الشفافية والاستقلالية والبعد عن الصراعات، والتكافل والأمانة والنزاهة والصدق والمساواة.

إن العمل التطوعي - بالخصائص السابق ذكرها - لا يتم في فراغ، لكنه بحاجة إلى التنظيم المحكم ليتمكن من تحقيق أهدافه بعيداً عن الارتجال والفوضى، ويستلزم ذلك توافر البنية التحتية والبيئية المشجعة على العمل التطوعي. وهناك عدة ثوابت لا بد وأن يتحلى بها العمل الأهلي التطوعي هي:
1. أن العمل التطوعي لا يتم سراً وإنما لا بد من إشهاره، ولا يأتي الإشهار وفقاً للتشريعات المعمول بها في الدول، ويشترط في معظم دول العالم ترخيص رسمي لإقامة مؤسسات العمل التطوعي.
2. أنه يجب أن يكون له نظام أساس يحدد أدوار كل المشاركين فيه، ويحدد أهداف المؤسسة ورسالتها ورؤيتها بشكل واضح.
3. توفير البيئة المناسبة لتشجيع واستقطاب المتطوعين وتأهيلهم وتدريبهم وتزويدهم بالمهارات المناسبة للعمل ضمن الأهداف التي وضعتها المؤسسة التطوعية لنفسها، ولا يجب الاكتفاء بمجرد النوايا الحسنة للمتطوعين.
4. يجب أن يحقق العمل التطوعي آمال واحتياجات فئات المجتمع المختلفة من: غذاء، وكساء، ومأوى، وأمن، واستقرار نفسي وأسري.

صفات المتطوعين:
المتطوع هو " الشخص الذي يتمتع بمهارات أو خبرات معينة، يستخدمها لأداء واجب اجتماعي عن طواعية وبدون توقع جزاء مادي مقابل عمله التطوعي ".
واستقطاب المتطوعين له دور فعَّال في حياة الأفراد والمجتمعات ومؤسسات التطوع؛ حيث يساعد في سد العجز الموجود في بعض المهارات التي يحتاجها المجتمع، كما أنه يساعد مؤسسات التطوع في التعرف على احتياجات المجتمع وتعريف المجتمع بخدمات وأنشطة مؤسسات التطوع.
والمتطوعون من أكثر المدافعين عن الأفكار والأهداف التي تقوم عليها الهيئات والمؤسسات، بالإضافة إلى أن وجودهم يقلل من الأعباء المالية على المؤسسات التطوعية، إضافة إلى أن التطوع يؤتي بثماره على المتطوعين أنفسهم؛ حيث يساعدهم على اكتساب خبرة استثمار أوقات الفراغ بطريقة مجدية، وإشباع الكثير من الحاجات النفسية والاجتماعية والانتماء والأمن.

وهناك معايير يجب أن تضعها مؤسسات التطوع في الاعتبار عند اختيار المتطوعين، ومن هذه المعايير السمعة الطيبة لدى المجتمع، وأن يكون لديه الوقت لأداء العمل التطوعي والخبرة في مجال العمل، ولديه القدرة على الاتصال والعلاقات العامة والقدرة على العمل بروح الفريق والثقة بالنفس والتأثير في الآخرين.

وهناك عدد من العوامل تساعد على تحسين أداء عمل المتطوعين بالمؤسسات التطوعية ومنها:
- جهاز إداري متعاون ومحل ثقة المجتمع.
- وضوح أهداف المؤسسة وبرامجها ومناسبتها لحاجة المجتمع.
- توافق رغبة المتطوع مع أهداف المؤسسة.
- وجود هيكل وظيفي متكامل بالمؤسسة.
- إعداد برامج تدريبية مناسبة للمتطوعين، ومتابعة مستوياتهم أولاً بأول، وتوجيههم نحو الأفضل.
ولكن هناك بعض العوامل التي تعوق عمل المتطوعين، ومنها: عدم وضوح الهدف من العمل بالنسبة لهم، واختلاف وجهات النظر بينهم وبين إدارة المؤسسة، وعدم تحديد دور معين يلتزم به المتطوع، وعدم أهليته للعمل المكلف به، وعدم الجدية والالتزام بتعليمات المؤسسة، وعدم التنسيق بين المتطوعين، وبعض القوانين التي تعوق عملهم.

ثقافة العمل التطوعى:
ليس التطوع برنامج مساعدات ورؤى اقتصادية وسياسية فقط. إنما التطوع فكرة أخلاقية تعكس علاقة الشراكة بين أفراد يتقاسمون العيش والفهم الثقافي المشترك على كوكب الأرض. وإن كان التطوع يخفف من فاقة أو عوز أو صدمة ما، فإنه بالمقابل يبني قدرة داخلية لدى المتطوع. قدرة تحسّن من فن إدارة التطوع، وتجعل منه لدى الأفراد أو المنظمات ليس مجرد جهود فيزيائية أو مالية، بل تتخطاها إلى بناء شراكة من المهارات والمعرفة. وبعيدا عن الحسابات الاقتصادية يتطور التطوع، مع المعرفة بثقافته، إلى بناء علاقات إنسانية قائمة على الاحترام المتبادل للاختلاف الثقافي. فالمتطوع الضيف ملزم أخلاقيا ومهنيا بتقديم مهاراته ومعارفه بصورة تتولد وتتوطد داخل تفاصيلها العلاقات وتبادل الخبرات. ولأن الافتقار إلى الطاقات والقدرات يتعايش مع قيود وعقبات التنمية، فإن توفير الطاقات وتنمية القدرات والكفاءات ،لدى الأفراد أو المنظمات، يعزز من الأداء التنموي ويؤازر فكرة العمل التطوعي بشدة. فالتطوع يتضمن الالتزام الطويل الأجل. وهو التزام الوجود، ضمن شروط جديدة، داخل بيئة جديدة استلزمت التطوع. فعلى المتطوع، ضمن الشروط الجديدة أن يطور من فهمه لعلاقات البيئة الجديدة بما يؤسس لفهم أكثر تطورا يسمح بتبادل المعارف والخبرات.

وقد رأى العديد من الباحثين أن أهم الركائز التى تدعم المنظمات الأهلية فكراً وممارسة وتعظيم القيم المضافة الفعالة لهذه المنظمات غير الحكومية وجود ثقافة نوعية تعزز العمل التطوعى على مستوى القيم والاختيار والأفعال والتصرفات وتنظيم العلاقات بين القوى والفئات الاجتماعية المختلفة بما توفره من ضوابط وتتيحة من فرص للتعليم الاهلى الذاتى، تسمى هذه الثقافة النوعية بثقافة العمل التطوعى لكن ما هى شروط هذه الثقافة وما هى العناصر المكونة لها. ويمكن تحديد أهم هذه الخصائص فى العناصر التالية:
1. أن تنطلق ثقافة العمل التطوعى من المصادر الدينية والأخلاقية والفلسفية، حيث أن الدين أدى ومازال يؤدى دوراً أساسيا فى تحفيز العمل الخيرى والتطوعي، فالإسلام باعتباره دين الغالبية العظمى من المجتمعات العربية حث على العطاء والتطوع والمساعدة للغير من خلال أركان الزكاة والصدقة التى ورد ذكرها فى القران الكريم اثنين وثلاثين مرة، ولكل من الزكاة والصدقة هدفها وهو الحث على مساعدة الآخرين بالمال والجهد وكافة صور الدعم والتى تسمى بفلسفة التكافل الاجتماعى.
2. ان تنطلق ثقافة العمل التطوعى من عقد اجتماعى وتشريعى ينظم العمل التطوعى وتقنينه بشكل رسمى فى إطار مسايرة التطورات العالمية والتشريعات الدولية التى تحافظ على العمل التطوعى والاجتماعى الشعبى وتدعيمه والاهتمام بالسياق الشامل القانونى للحقوق والحريات التى تعكس تنظيم العمل الاهلى وتوفر إطار تشريعى سليم يؤهل لتأسيس منظمات أهلية متطورة وتتوجة نحو احتياجات حقيقية للمجتمع.
3. يجب تعميق قيم أساسية لتعزيز ثقافة العمل التطوعى مثل قيم التضامن والتكامل والتكافل الاجتماعى والتسامح مع الآخرين وتدعيم قيم الإيثار والمواطنة والإخاء والمساواة والعدل وبروز أهمية قيم القدوة الايجابية فى التفكير والتصرف والسلوك اليومى.
4. يجب تنقية ثقافة العمل التطوعى من قيم التحيز والعصبية والاثنية والشكلية وتكريس المصالح الفردية والأنانية وقيم استغلال الاخرين وتطوير قيم التراث الايجابية التى تعلى من شان التعاون والتكافل والتضامن النابعة من تراثنا الثقافى فى العمل الخيرى واستحداث نسق عصرى لثقافة العمل التطوعى التى تؤكد أهمية الشراكة فى عملية التنمية.
5. وأخيراً يجب أن تنطلق ثقافة العمل التطوعى من محاولة إشباع الحاجات الأساسية للمهمشين والفقراء واتباع الأساليب التى تساعد على إدماجهم فى حركة المجتمع، وذلك فى إطار تنوع أنماط المنظمات الأهلية بحسب الاحتياجات التى يحتاجها البشر، فهناك المنظمات الرعائية التى تقدم الخدمات التعاونية والصحية والثقافية، والجمعيات الاهلية التنموية التى تسعى إلى تحويل البشر إلى منتجين من خلال صيغة المشروعات الصغيرة، إضافة إلى المنظمات الدفاعية، وهى التي يدخل في نطاقها جملة منظمات حقوق الإنسان بأنواعها المختلفة ثم الجمعيات الثقافية والعلمية التى تنشأ لإشباع الحاجات الخاصة بأعضائها أو تحقيق أهدافها.

ولكن ما سر نجاح العمل التطوعي، وكيف يمكن خلق فكرة التطوع وتحويلها إلى ثقافة تطوعية؟ يكاد أن يكون، بل هو كذلك، العمل المنظم صمام الأمان، أو الكلمة السحرية التي يفتتن بها العمل التطوعي. فالتنظيم يؤثر على ثقافة المنظمة التطوعية بمقدار ما يؤثر على شخصية المتطوع. وتبين دراسات اجتماعية، وتجارب تطوعية أنه لا يمكن لأي برنامج تطوعي أن يبصر النور إن لم يكن متوافقا مع الثقافة التنظيمية للمنظمة التطوعية، وأن يكون مكملا لها أيضا.

انطلاقا من ذلك على الجماعات أو المنظمات التطوعية أن تتنبه، في طور تطوير برامجها، إلى أهمية الثقافة التنظيمية. كذلك على قادة التطوع ، ومديري ورؤساء أي جهة تطوعية مؤسساتية، الاعتقاد والإيمان بأن فن إدارة الثقافة التنظيمية هو من أهم وأبرز المهام الملقاة على عاتقهم . وعندئذ تغدو إضافة مفهوم الثقافة التنظيمية إلى برنامج المتطوع مهمة أساسية من اجل إدارة ثقافة التطوع. وتصبح الثقافة التطوعية والثقافة التنظيمية صلة الوصل ما بين المتطوع من جهة، والمنظمة التطوعية من جهة ثانية. وإن أخذت المنظمة بذلك أم لم تأخذ، فإنه إذا أريد لبرنامج المتطوع أن ينجح لا بد من التركيز على ثقافتي التطوع والتنظيم كسلة واحدة. ولكن كيف يتم التركيز على الثقافتين كسلة واحدة؟ إنه التكيّف.

من أساليب منظمات التطوع ترك المتطوع، أحيانا، ليكتشف كل شيء بذاته. وتحديدا كيف يدخل مرحلة التكيف؟ وما توقعاته حول ذلك؟ وكيف تبنى توقعات منظمة التطوع على توقعات المتطوع؟ بعض المتطوعين يقرؤون أفكار المنظمة التطوعية وماذا تريد، وماذا لا تريد ؟ وبالمقابل تتوقع المنظمة أن المتطوع يعرف ماذا يريد، وماذا لا يريد، وكيف يريد؟ ولتعقيد الأمر أكثر تعمد بعض منظمات التطوع إلى إخفاء ديناميكية العمل عن المتطوع، بل يصل الأمر إلى اعتباره من أسرار المنظمة. وربما تحاول المنظمة إبداء رغبتها تجاه تنفيذ برنامج تطوعي ما. لكنها لا تضع المتطوع في صورة الإستراتيجية العامة، وتكتيك التنفيذ، لتوكّل المتطوع بنفسه. وربما يصل الأمر، أحيانا، إلى إخفاء أو حجب الثقافة التنظيمية عن المتطوع إلى درجة تقوم منظمة التطوع بوضع المتطوع على مسار الفشل. هذه الأساليب هي نوع من التدريب. وهو تدريب مكلف على الصعد كافة، لكنه ذو مردود جيد. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إن كان التكيف يقود إلى التركيز على ثقافتي التنظيم والتطوع من اجل نجاح برنامج المتطوع، فكيف يمكن الوصول إلى التكيف ؟ إنها التربية.

على منظمة التطوع أن تبدأ بمرحلة التربية مزامنة مع تفكيرها بالتخطيط لاستخدام المتطوع، وفي مرحلة الاستخدام الفعلي. وعلى قائد التطوع أن يطور أفكارا واضحة عن الثقافة التنظيمية واحتياجات المتطوع.فمن خلال أفكار مطورة يمكن تحديد صورة واضحة للمتطوع بما يتوافق مع المهام التي سينفذها، ونوع الثقافة التنظيمية التي سيعتمد عليها في العملية. وليس على قائد التطوع أن يوصل إلى المتطوع المهارات التي تحتاجها المنظمة فقط، بل لابد من تحقيق تواصل دقيق مع صفات المتطوع الشخصية، ومواقفه وتصرفاته، وجميع الاعتقادات، التي يراها القائد، ضرورية لنجاح برنامج عمل منظمة التطوع.

ووفقاً لذلك، فهناك عدد من المباديء التي يمكن أن تزيد من فاعلية دور الجمعيات الأهلية، وتتمثل فيما يلي:
1- القضاء على المعوقات التي تواجه عمل الجمعيات الأهلية، ومن أهمها: المعوقات الإدارية والتشريعية، وضعف مشاركة أفراد المجتمع المحلي، وعدم التوازن القطاعي والمكاني والنوعي.
2- استخدام التكنولوجيا الحديثة لتنسيق العمل التطوعي بين الجهات الحكومية والأهلية لتقديم الخدمات الاجتماعية وإعطاء بيانات دقيقة عن حجم واتجاهات وحاجات العمل التطوعي الأهم للمجتمع.
3- نشر الوعي بزيادة المساعدات التي يقدمها القطاع الخاص للجمعيات الأهلية كمجال من المجالات التي سيعود نفعها إلى القطاع الخاص فيما بعد، خاصة من ناحية تأييد ودعم القطاع الخاص من جانب أفراد المجتمع.
4- زيادة عدد الندوات لتوعية المجتمع بدور الجمعيات الأهلية.
5- تفعيل دور الجمعيات الأهلية فى تمكين المواطن من ممارسة حقوقه السياسية، باعتبارها من مؤسسات المجتمع التى يتعلم من خلالها المواطن ممارسة حقوقه فى التعبير عن رأيه فى القضايا العامة والمساهمة فى وضع وتنفيذ حلول للمشاكل التى يواجهها المجتمع، بالإضافة لممارسة تجربة الديمقراطية واكتساب الخبرة فى الترشيح والانتخاب لعضوية مجلس الإدارة.
6- تفعيل دور الجمعيات الأهلية فى تمكين المواطن من المشاركة من خلال ما يلى:
ـ تدعيم وتفعيل وتوفير التمويل لمشروعات الجمعيات الأهلية .
ـ تشجيع الشباب على تكوين جمعيات أهلية جديدة
- إعداد برنامج لنشر ثقافة التطوع وتنمية الشعور بالانتماء وتشجيع المشاركة الشعبية.
- تدعيم مفهوم المشاركة بين الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص والحكومة فى عملية التنمية
7- تصميم وتنفيذ مشروع قومى لعمل الشباب المتطوع خلال أجازة الصيف سنوياً وطوال العام بالنسبة للشباب الذى ينتظر فرصة للعمل، على أن يتم التنفيذ بالتعاون مع الطلبة فى الجامعات والمدارس والأجهزة التنفيذية فى مختلف المحافظات..
8- دعم المؤسسات والهيئات التي تعمل في مجال العمل التطوعي مادياً ومعنوياً بما يمكنها من تأدية رسالتها وزيادة خدماتها. ويمكن مواجهة مشاكل تمويل أنشطة الجمعيات الأهلية من خلال ما يلى:
• إعادة النظر فى ميزانية الإعانات للجمعيات الأهلية وزيادتها، وإحياء صندوق إعانة الجمعيات الأهلية بتنشيط وتفعيل أدواته على توفير الموارد من مصادر التمويل المختلفة حتى يكون الصندوق مصدراً لتمويل أنشطة الجمعيات الأهلية.
• تشجيع إنشاء الصناديق الخاصة لتمويل أنشطة الجمعيات الأهلية التطوعية.
• تشجيع الأعضاء والمواطنين على التطوع والتمويل وذلك عن طريق الإعلانات والدعايات وأقامة الندوات والمحاضرات.
9- إقامة دورات تدريبية للعاملين في هذه الهيئات والمؤسسات التطوعية مما يؤدي إلى إكسابهم الخبرات والمهارات المناسبة، ويساعد على زيادة كفاءتهم في هذا النوع من العمل، وكذلك الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال.
10- التركيز في الأنشطة التطوعية على البرامج والمشروعات التي ترتبط بإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين؛ الأمر الذي يساهم في زيادة الإقبال على المشاركة في هذه البرامج.

الحريّة بين الفوضى والالتزام

مقدمة:
الحرية كلمة جميلة الوقع على السمع، فهى هبة الله الذى خلقنا على صورته ومثاله.. يتمسك بها الطفل حتى وإن لم يفهم معناها، ويعتبرها الشاب حياته بأكملها، ويموت من أجلها الألوف والملايين فى أنحاء العالم، ويعتبرون حياتهم رخيصة من أجلها...

الحرية هى التعبير الواقعى عن الشخصية بكاملها، فليست الحرية فقط أى تصرف بمعزل عن أى ضغط خارجى مباشر، يملي علي سلوكي، فهذا ليس إلا الوجه الخارجي للحريه ولكن الحرية بمعناها العميق، هى أن أتصرف بحيث يأتى سلوكي تعبيراً عن كياني كله، وليس عن جزء من شخصيتى يتحكم فيّ، دون بقية الأجزاء فمثلاً: قد تتحكم في إحدى الشهوات وأتصرف بموجبها، دون النظر إلى ما يقاومها ويعوقها، من أجواء أخرى فى كياني.. حينئذ فلست حراً بل أنا عبد الشهوة. وقد يتحكم فىّ انفعال، أتصرف تحت سيطرته بما أندم عليه فيما بعد.. فأنا عبد لهذا الانفعال.

كل فرد منا يعلم أننا خرجنا من بطون أمهاتنا أحرارا.. والقيود الدينية أو الاجتماعية والأخلاقية ليست سلاسل تقيد حرياتنا.. فالحرية مسؤولية كبيرة تتلخص في أن تفعل ما تحب وترضى بشرط أن تراعي بما تفعل حقوق خالقك ودينك وعرفك والناس من حولك.. وألا تتعدى بهذه الحرية على حرية الآخرين ورغباتهم.. الحرية معناها التزام واحترام لحرية الغير. الحرية هى فى حد ذاتها قيد على الشخص لأنى عندما أكون حرا يكون فكرى منطلقا ومتفهما وبالتالى أستوعب أن حريتى تنتهى عند حرية الآخر يعنى لا ينفع أكون حرا وأزعج غيرى وأقول أنا حر. والإزعاج له أشكال كثيرة وعميقة يعنى من تلبس ملابس عارية باسم الحرية طغت على حرية غيرها فهناك من يستعف أن يرى هذا العرى وهى تؤذيه، وهناك من يشرب المنكر أمام الآخرين وهذة فتنة للشباب وليست حرية هناك من يستمع للكاسيت أو المذياع بصوتٍ عالٍ ويؤذى جيرانه باسم الحرية. عموما فإن حرية الفرد تنتهى عند حرية الأخرين.. بمعنى أن يتوقف الشخص عن ممارسة حريته إذا كانت تتعارض مع حرية الأخرين.. فمثلا شخص مع غيره فى غرفة واحده ويريد أن يسهر ليقرأ والآخر يريد أن ينام هنا تتعارض الحريات، فليس هناك حرية مطلقة فى جميع الأحوال.

معنى الحرية:
ونعني بالحرية في العادة تلك الخاصة التي تميز الكائن الناطق من حيث هو موجود عاقل تصدر أفعاله عن إرادته هو لا عن أية إرادة أخرى غريبة عنه. فالحرية بحسب معناها الاشتقاقي هي عبارة عن انعدام القسر الخارجي، و الإنسان الحر هو من لم يكن عبداً أو أسيراً. ومفهوم الحرية يتوقف كثيراً على الحد المقابل الذي تثيره في أذهاننا هذه الكلمة، إذ قد نضع في مقابل كلمة الحرية، كلمات عديدة مثل كلمة "الضرورة" أو "الحتمية" أو كلمة "القضاء و القدر" أو كلمة "الطبيعة".

بعض الباحثين، من أمثال جون لوك‏، يرى أن الحرية هي القدرة والطاقة اللتان يوظفهما الانسان لأجل القيام بعمل معين أو تركه‏. وبعض آخر، من أمثال جون‏ ستيوارت ميل‏ يقول: إن الحرية عبارة عن قدرة الإنسان على السعي وراء مصلحته التي يراها، بحسب منظوره، شريطة أن لا تكون، مفضية إلى إضرار الآخرين‏.

ومن الممكن أن نميز بصفة عامة بين نوعين من الحرية : حرية التنفيذ و حرية التصميم. والمقصود بحرية التنفيذ: تلك المقدرة على العمل أو الامتناع عن العمل دون الخضوع لأي ضغط خارجي، والحرية بهذا المعنى عبارة عن القدرة على التنفيذ مع انعدام كل قسر خارجي. أما حرية التصميم: فهي عبارة عن القدرة على الاختيار أعني القدرة على تحقيق الفعل دون الخضوع لتأثير قوى باطنة، تحد من حرية التصميم كالدوافع و الأهواء 000الخ.

حرية المرأة:
ترتبط قضية حرية المرأة بمسائل الإصلاح وتطور المجتمع, مثلما ترتبط بمبدأ سيادة القانون في المجتمع والدولة, ومدى احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان. ويشكل التشبث بواقع التمييز ضد المرأة والممانعة في حريتها أساسا تربويا للاستبداد؛ حيث تتجلى التربية الاستبدادية في الأسرة، عندما ينظر الرجل إلى المرأة باعتبارها قطعة من مقتنياته يمارس عليها الأمر، وواجبها الطاعة. الزوج لزوجته والأخ لأخته. ويشكل هذا القبول للتمييز داخل الأسرة وعدم المساواة في الحقوق، تربية لقبول التمييز في المجتمع والقبول بالحرمان من الحرية والحقوق. لذلك يلاحظ أنّ البلدان التي تحكمها أنظمة استبدادية هي أكثر البلدان ممانعة لحرية المرأة ومساواتها في الحقوق. ويعتبر اشتراك المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية أحد المؤشرات على درجة التطور لأي بلد من بلدان العالم؛ حيث تدل الوقائع الثابتة على أنه كلما كانت المرأة متمتعة بالحقوق والحريات العامة في بلد ما كلّما كان تطور هذا البلد أكثر، وإمكانيات تطوره أوسع وأرقى. ذلك لأن المجتمع الذي يحرم نصفه من الحقوق أو بعضها، لا يمكن أن يكون مجتمعا سليما معافى.

وقد استطاعت المرأة العربية أن تتخلّص من الكثير من القيود التي كانت تقف عائقاً أمام مشاركتها في بناء نفسها وبناء مجتمعها. والمرأة أخذت كثيرا من حريتها الاجتماعية فهى تمارس مختلف الأعمال الكبيرة والصغيرة و هى الآن فى كل المجالات حتى وصلت لمهن كان لا يتصور قيام المرأة بها كالمأذونة والعمدة وقد كان، ومجالات العمل اليوم مفتوحة للرجل والمرأة والمنافسة موجودة بشرط أن تكون شريفة. إلا أنّ تحرّر المرأة مازال يرتبط بشكل رئيسي بتحرر الرجل نفسه لأنّ الرجل العربي مقيّد بالتقاليد والعادات و السلوكيات الموروثة التي تمنع المرأة أن تكون عنصراً فاعلاً في المجتمع. إنّ الرجل الشرقي يخاف المرأة الذكيّة الواثقة من نفسها , لذا نراه في أحيان كثيرة يحاول كسر أجنحتها لمنعها من التحليق عالياً, ولذا نرى أيضاً أنّ المرأة العاملة هي أقل حظوظاً عند الرجل من المرأة القابعة في المنزل. في الحياة اليوميّة وفي كافّة الشرائح الاجتماعيّة نرى أنّ المرأة تكافح بقوّة داخل البيت وخارجه. فالمرأة العاملة تضاعف جهدها وتعبها لذا نقول تحرّر المرأة ما زال ظاهريّاً. وكلّما كان الرجل متفهّماً لما تقدّمه المرأة ومساعداً وعوناً لها كلّما استطاعت أن تستمرّ وتتقدّم أكثر. بالتالي ينعكس ذلك على الأسرة بكاملها إيجابيّاً. وكثيراً ما يلفت نظرنا أنّ المرأة التي تعمل خارج المنزل حياتها منظّمة أكثر. اهتمامها بما هو مفيد وحضاري أكبر وأولادها أكثر نجاحاً من أولاد المرأة غير العاملة. فالأولاد كما يحتاجون الحبّ والحنان يحتاجون أيضاً من الأمّ ثقتها بنفسها وقدرتها على أن توجّههم بشكل صحيح. المرأة في مجتمعنا مكافحة وصبورة, مضحّية وذكيّة وتستطيع أن تخطط لمستقبل أسرتها بكل مسؤليّة ودقّة.

وفى البداية لابد أن نحدد حرية المرأة ما هى وما حدودها وما هى حرية الرجل وهل لها حدود .. ولابد أن نعرف أن المرأة فى جميع مراحل عمرها ومع اختلاف ظروفها يكون لها حرية مختلفة: البنت، والزوجة، والمطلقة، والأرملة، إلى أخره لكل حالة منها ظروفها وحريتها المناسبة والخاصة. فهى وهى بنت تكون حريتها مقيدة بنظرة الأب والأخ من منطلق الخوف والحرص عليها.. وتنمثل حريتها فى الخروج بحساب، والكلام بأدب، والتعود على أن تسمع الكلام. المرأة المتزوجة ومهما كانت تعمل هى نفسها تردد بيتى أولا: فحرية المرأة هنا لا تتعارض مع حرية الرجل بشرط الالتزام بواجباتها ومعرفة معنى كلمة الحرية وعدم استخدمها بطريقة سيئة. والرجل الذى يعطى زوجته حرية العمل وربما يكون معها فى نفس المهنة ويفهم طبيعة عملها لا يقبل أن تقصر فى واجباتها المنزلية ومسؤليتها نحوه وأولادها، وبقاء المرأة في المنزل ضروري لتربية الأطفال. بمعنى أن حريتها لا تتعارض مع حرية الرجل بل مع حياتها الأسرية فهنا عليها أن توازن. المهم ألا تسيء حريتها حتى لا تتعدى على حرية المحيطين بها والمضار مباشرة بحريتها الأب للفتاة والزوج للزوجة وبالنسبة للمطلقة والأرملة نجد أن المجتمع هو الذى يحدد مدى حريتها. وبذلك حرية المرأة دائما مشروطة بظروفها، وبالعادات والتقاليد ونظرة المحيطين. وحتى حرية الرجل وقد تبدو مطلقة إلا أنها أيضا مشروطة لأنه غير مسموح له بالاساءة للمحيطين به بحجة انه يمارس حريته. فالمهم بالنسبة للرجل والمرأة عدم الاساءة .. ولكن المجتمع يغفر للرجل ولا يتساهل مع خطأ المرأة.

عموماً تكتسب المرأة أهميّة كبيرة من خلال وظيفة الأمومة حيث يرتبط معنى وجودها بهذه الوظيفة. فكيف تحقّق المرأة النقلة النوعيّة بين أن تكون أمّاً حيث تتمركز مهمتها الأساسيّة وبين أن تكون عنصراً أكثر فاعليّة في بناء المجتمع?‏

حريّة المرأة ترتكز على حريّتها الاقتصاديّة واستقلالها العلمي. وهناك حكمة تقول من لا يملك قوت يومة لا يملك حريتة. وكي تحقق المرأة حريتها يجب أن يكون لها رأيها الخاصّ كما عليها الاختلاط بالمجتمع لأنّ التقوقع يجلب ضعف الشخصيّة.‏

ومن الخطأ أن تفهم المرأة الحريّة من خلال الحريّة الاقتصاديّة فقط؛ فالتحرر الاقتصادي يجب أن يكون بداية للانطلاقة نحو الحريّة الحقيقية. إنّ جهل المرأة يكمن بالجهل الثقافي؛ فحريّة المرأة لا تأتي من خلال العمل خارج المنزل فقط وإنّما من خلال الاطّلاع الثقافي وتوسيع أفقها في كلّ المجالات (مسرح - سينما - قراءة....).‏

ثورة 23 يوليو، والتعليم

قامت ثورة يوليو ومن أهم أهدافها ومبادئها تحقيق العدالة الاجتماعية ما بين الناس. وقد تعددت الصور التى حققت فيها الثورة هذه العدالة منها توزيع الثروات علي الناس متمثلة في قانون الإصلاح الزراعي وكذلك توفير التعليم المجاني للفقراء ومحدودي ومعدومي الدخل.

إن مجانية التعليم كانت مطلبا ملحا لدعاة الليبرالية في أوائل القرن الفائت أمثال أحمد لطفي السيد وطه حسين وتم اكتمال تحقيقه بعد ثورة يوليو‏، ومن ثم فقد أصبحت المجانية حقا مكتسبا للشعب المصري بكل طبقاته‏، واستفادت منه أجيال ومازالت. وإن من يديرون ويقودون قاطرة التنمية في جميع صورها في مصر إنما هم من تلك الطبقات التي استفادت مباشرة من تلك المجانية. لكن الذي ينساه كثيرون أن ثورة يوليو لم تكن هي صاحبة الفضل في مجانية التعليم وفقاً للحقيقتين التاليتين:

· تقررت مجانية التعليم الابتدائي في عام 43/،1944 في عهد حكومة الوفد، وكان طه حسين هو المستشار الفني لوزير المعارف »التربية«، أحمد نجيب الهلالي.
· ثم تقررت مجانية التعليم الثانوي في عام 50/،1951 أيضاً في عهد حكومة الوفد، وكان وزير المعارف هو الدكتور طه حسين.

ولما كان التعليم العام، قبل الثورة، بمصروفات حيث تحمل أولياء الامور جانبا من نفقات تعليم ابنائهم وظل الحال كذلك حتى تقررت مجانية التعليم على يد طه حسين فى وزارة الوفد الاخيرة(1951) قبيل ثورة يوليو؛ فقد كان التعليم الثانوى قاصرا على أبناء الطبقة الوسطى وحدهم ممن يستطيعون تحمل نفقاته، وهم عادة القادرون على إلحاق أبنائهم بالجامعة، فاذا وضعنا فى الاعتبار ان رسوم القيد بالجامعة جعلت الطالب يتحمل ما بين 35 % و60% من نفقات تعليمه؛ حيث كانت تلك الرسوم تتراوح ما بين عشرين جنيها للآداب وخمسة وأربعين جنيها للطب(عام1940)، بينما كانت تكلفة طالب الآداب 52 جنيها وطالب الطب 148 جنيها فى العام الدراسى الواحد عنذئذ، على حين كانت مصروفات التجارة 25 جنيها وتكلفة الطالب 35 جنيها فى العام الواحد، فإذا كانت بعض الدراسات قد قدرت الميزانية اللازمة لأسرة تتكون من زوجين وأربعة اولاد لاتقل عن 439 قرشا فى الشهر حداً أدنى للطعام والكساء وفق الأسعار الرسمية عام 1942 وهو ما كان يعجز عن الحصول عليه إلا الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى(عندئذ) أدركنا ان التعليم الثانوى والجامعى كانا قاصرين على الطبقة الوسطى(وخاصة شرائحها المتوسطة والعليا)، ورغم ذلك كان عدد طلاب الجامعة قد أخذ يتضاعف عند أواخر الثلاثينات مع الاتساع التدريجى لشرائح الطبقة الوسطى المصرية الذى أسرعت خطاه خلال سنوات الحرب العالمية الثانية نتيجة ما أحاط بها من ظروف اقتصادية مواتية. وإذا كان التعليم العالي ظل بمصروفات إلي يوليو عام 1962؛ فإن القواعد كانت تقضي بحصول كل من حصل علي الثانوية العامة،أو التوجيهية سابقاً، بستين في المائة فما بعدها علي المجانية، وكذلك، يظل محتفظاً بها إذا حصل علي تقدير عام جيد، وبناء عليه تمكن الكثيرون من التعلم الجامعي مجاناً، فضلاً عن منافذ وسبل أخري متعددة كانت تفتح أبواب المجانية.

ولعل أهم ما اتسمت به الفترة من عام 1952–1974، فيما يتعلق بالتعليم، هو طرح شعار "المجانية" حيث بدا الأمر كما لو أن الدولة تطور التعليم وتتيحه لفئات أوسع من الشعب، هدفا في حد ذاته، منزها عن الغرض، وحقا طبيعيا من حقوق الإنسان، وخدمة دون مقابل، وهكذا صدرت قرارات المجانية للتعليم الثانوي 1952 والعالي 1962، وتم فتح أبواب التعليم للقادرين عقليا ومهاريا للدخول فيه تلبية لاحتياجات المجتمع وخطط التنمية. إن مجانية التعليم أعطت الفرصة لتعليم الفتيات لأن الأسرة قبل الثورة كانت تفضل تعليم الأبناء الذكور بسبب نفقات التعليم والحالة الإقتصادية الصعبه لدى أغلب المصريين.

وقد ترتب على العمل بسياسة التعليم خلال تلك الفترة، تطور ملحوظ في حجم التعليم بكافة مراحله وأنواعه. فالتعليم الابتدائي وصل عدد طلابه عام 1965إلى حوالي 3.417.000 طالب وطالبة، مقابل 1.392.000 عام 1952. ورغم زيادة أعداد الطلبة بالتعليم الثانوي العام؛ حيث وصل عدد المقيدين به عام 1969 حوالي 292.109 طالب وطالبة، مقابل 109.711 عام 1953، إلا أن نسبة القبول بالثانوي العام قد تناقصت؛ حيث كانت في عام 1953 حوالي 84.5%، تناقصت إلى 54.8% عام 1969. وعلى العكس من ذلك فقد زادت نسبة القبول بالتعليم الثانوي الفني من 15.5% عام 1952، إلى حوالي 45.2% عام 1969، ووصل عدد طلاب الثانوي الفني، بأنواعه المختلفة، عام 1969 حوالي 197.054 طالب وطالبة، مقابل 15.566 عام 1953. ورغم زيادة أعداد الطلبة بالجامعات والمعاهد العليا؛ حيث وصل عدد الطلاب بالتعليم العالي إلى حوالي 122.883 طالب وطالبة عام 1969، مقابل 35.026 عام 1952، والمعاهد العليا وصل عدد طلابها حوالي 34.202 عام 1969، مقابل 1.520 عام 1952، إلا أن نسبة المقبولين من الناجحين في التعليم الثانوي العام والفني بالجامعات انخفضت بشكل ملحوظ من 89.3% عام 1952، إلى حوالي 48.6% عام 1963، ثم إلى حوالي 29.8% عام 1969.[1]

من ذلك نلاحظ أن عدد المقبولين بالجامعات والمعاهد العليا قد تضاعف حوالي ثلاث مرات، ومع ذلك فالنسبة المئوية للمقبولين من الناجحين من المدارس الثانوية نقصت إلى الثلث تقريبا من 89.3% عام 1952، إلى حوالي 29.8% عام 1969؛ أي أن سوق العمل كان عليه أن يستوعب حوالي 70% من الناجحين في التعليم الثانوي، مع ملاحظة أنه تم التضييق على خريجي التعليم الفني في الالتحاق بالجامعات والمعاهد العليا.

وقد أدى التوسع في التعليم، في تلك الفترة، إلى إخفاق في سياسة التعليم لتحقيق تكافؤ فعلي للفرص التعليمية، أو في فرص الحياة الاجتماعية، أو تحرير العقل من الانغلاق والقهر. وقد تمثلت مظاهر إخفاق السياسة التعليمية في تلك الفترة فيما يلي[2]:

1. التضخم في أعداد الخريجين، سواء في الشهادات العالية أو المتوسطة، بما يفيض عن العدد الفعلي المطلوب؛ حيث تجاوزت سياسة التعليم الحدود الفعلية المطلوبة من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويرجع ذلك إلى أن الدولة توسعت في شعار مجانية التعليم بدوافع وأسباب تتجاوز حدود الإنتاج من ناحية، واحتياجات التعليم من ناحية أخرى. هذه الدوافع والأسباب السياسية تتمثل في توجه الدولة إلى كسب رضاء فئات كبيرة من الشعب المصري – الطبقة الوسطى والصغيرة تحديدا – من خلال منحهم حقوق التعليم وتسهيل التعليم أمامهم للحصول على لقمة العيش؛ من أجل الاستقرار الاجتماعي. ولم يكن تفكير النخبة السياسية يصل إلى أن هذا ينطوي على تناقض أكيد، ما دامت فرص العمل الفعلية لا تتناسب مع الأعداد المتزايدة من المتعلمين، وهذا يرجع لسؤ التخطيط وفشل خطط التنمية في استيعاب الخريجين.

2. انطوى هذا التضخم على ضحالة تعليمية وعلمية وثقافية؛ حيث كان هدف الطلاب وأولياء الأمور من التعليم هو تلبية الاحتياجات المعيشية لطالب العلم وأسرته وتحقيق المركز الاجتماعي، بعيدا عن روح العلم والثقافة. فبالنسبة للإعداد المهني والفني للموظفين والفنيين ، فقد أصبح النظر إلى مهنه الطب والهندسة والصيدلة والمحاماة، وغيرها من المهن باعتبارها فنونا من الفنون التطبيقية لا باعتبارها تمثل قمما من قمم الثقافة والمنهج العلمي والتطور الإنساني، واختفت أو كادت ظاهرة وجود الطبيب المثقف والمهندس الفنان كما كان مألوفا قبل ذلك (لاحظ علي سبيل المثال:إبراهيم ناجي وعلي محمود طه ومحمود سعيد ... وغيرهم) هذا فيما يتصل بالجامعة وخريجها فما بالنا بخريجي التعليم الفني الذي حرصت حكومة الثورة علي توجيه معظم الطلاب إليه في مرحله التعليم الثانوي، لمجرد إعداد العمالة الفنية التي لم تحصل علي قسط من الثقافة قليل أو كثير. ومع التزام الدولة بسياسة تعين الخرجين من ناحية، وسيطرتها الكاملة علي جميع مؤسسات التعليم وجميع فعالياته من ناحية أخرى، كان من العسير ملاحظة ذلك التدهور المهني والثقافي الذي يتفاقم عاما بعد عام.

3. انتزاع نظام القيم الإنسانية من عقول العناصر الداخلة في النظام التعليمي من الطبقات الشعبية والصغيرة، وزرع المصلحة الفردية والامتهان وفقدان الكرامة واحتقار الإنسان والإيمان بالمنفعة المباشرة وحدها، وتعميق الأمية والمحافظة عليها، وتخليد الجهل وإقناع الناس به. مشكلة الأمية مثلا كانت قبل الثورة 90% انخفضت فى أوائل السبعينيات إلى 60% ، ومع ذلك تظل نسبة كبيرة إذا قورنت بمجتمعات أخرى واجهت نفس الظروف واستطاعت القضاء على الأمية نهائيا مثل كوبا. اتضح، من دراسة أجريت على ظاهرة الأمية، أن كثيرا من الأسر تفضل إرسال أطفالها لتعلم مهنة أو للعمل - بصفة عامة – عن إرسالهم إلى المدرسة؛ ذلك أن إرسال الطفل إلى المدرسة ليتعلم يعني ضياع فرصة كسب ودخل للأسرة، تكون هي في أشد الحاجة إليه. كما تبين – أيضا – أن الذهاب للمدرسة – رغم مجانية التعليم – يعني تحمل حد أدنى من التكاليف(مثل شراء ملابس المدرسة وكراسات وأقلام .....اٍلخ)، وهذا ما يصعب تحمله في الأسر الفقيرة. ويضاف إلى ذلك الانخفاض الملحوظ في نوعية التعليم في المدارس الحكومية، في الوقت الذي لا يستطيع أولياء الأمور في تلك الأسر الفقيرة التغلب على هذه الصعوبة؛ حيث لا يستطيعون مساعدة أولادهم في الاستذكار نظراً لأن معظمهم أميون أو أن مستوياتهم التعليمية منخفضة للغاية[3].

4. وفي ضوء هذه الظروف تحددت وظيفة التعليم في تحقيق هدفين اثنين هما : الحشد الأيديولوجي خلف النظام والقيادة السياسية، والإعداد المهني والفني للموظفين اللازمين لمؤسسات الدولة وإداراتها وخططها التنموية. وفي ظل الحشد الأيديولوجي، تمت عسكرة المدرسة وإدخال نظام الفتوة والحد من انتشار وتأثير أصحاب الأفكار المختلفة من مؤسسات التعليم سواء كانت مؤسسات تعليم قبل الجامعة أو الجامعات، وصيغت مناهج التعليم صياغة تدعم فكرة الحشد الأيديولوجي؛ فعلي سبيل المثال احتفت كتب التاريخ في مختلف مراحل التعليم بمعارك الاستقلال ومقاومة الاحتلال البريطاني لمصر بينما غاب منها تماما معارك الدستور والبرلمان والديمقراطية، رغم أنها معارك لم تكن تقل ضراوة ولا وطنية عن معارك الاستقلال الوطني. وفي سبيل تأكيد فكرة الحشد كذلك كرست المناهج الدراسية فكرة الانفصال الثقافي والسياسي عن مرحلة ما قبل يوليو، وتم توجيه الحقائق والأحداث التاريخية لتصب في صالح النظام السياسي وأعيد كتابة تاريخ المنطقة لتتفق مع توجهات الدولة ووصمت مختلف الأحزاب السياسية قبل الثورة بالانتهازية والعمل في خدمة الملك والإنجليز وبالفساد. وتميز التأليف المدرسي بالركود، ففي أحد الأبحاث التي تناولت مقرر التاريخ بالصف الثالث الثانوي لوحظ أن هذا الكتاب لم يتغير فيه حرف واحد منذ طبعة سنه 1959، حتى طبعة سنة1974.

5. قامت الدولة، نتيجة للضغط الشعبي الهائل على التعليم الجامعي، بتحويل المعاهد العليا إلى كليات جامعية. وبذلك كرست الدولة الانحياز إلى التعليم النظري العالي؛ لما له من بريق اجتماعي وثقافي، ولم تطرح شعار العمل شرف وواجب، إلا للفئات الدنيا – الطبقة العاملة – باعتبارها هي المؤهلة للقيام بالعمل اليدوي والمهني.

6. لم تهتم النخبة السياسية الحاكمة بالتعليم الفني، إلا في حدود احتياجاتها فقط، وجعلت الحوافز كلها أمام التعليم الجامعي والنظري، وكادت أن تسد الطريق أمام خريجي المدارس الثانوية الفنية في الوصول إلى التعليم الجامعي، مما ترتب عليه وجود انحياز شعبي وحكومي تجاه التعليم النظري والعالي.

7. انحياز الرأي العام الشعبي، فيما يتعلق بالتعليم، ناحية الميادين التي يفضلها المجتمع وتفضلها الدولة وتحبذها، مثل مجالات التعليم العسكري والطبي والهندسي؛ مما خلق صراعا تنافسيا حادا من أجل الوصول للمقعد الدراسي مهما كان الثمن، بصرف النظر عن القيمة العلمية. وقد كانت هذه المسألة أحد أهم الأسباب المباشرة لظاهرة الدروس الخصوصية.

8. إن التوسع التعليمي الذي تم لم يكن على علاقة وثيقة ومباشرة بالتوسع الاقتصادي. فالتوسع الزراعي قام على التوسع في الملكيات الصغيرة والزراعات التصديرية، وهو يعتمد على الخبرة الفلاحية التقليدية، بالإضافة إلى استيراد التقنيات الزراعية مباشرة من الخارج. وهذا يفسر لنا الأعداد الهائلة الزائدة عن الحاجة من خريجي كليات الزراعة والمعاهد العليا الزراعية، طوال فترة الستينات وما بعدها. وفي ظل غياب رؤية اجتماعيه وسياسية واضحة لتحديث الريف والقري في الوجه البحري والوجه القبلي فإن التعليم بصورته تلك قد ساهم في تفريغ الريف من العناصر النشيطة التي كان يمكن أن تلعب دورا حيويا في تطور ذلك الريف، عندما كانت تضيق القري بطموح المتعلمين فيهجرونها للعيش في العاصمة والمدن المختلفة. والوضع نفسه يقال عن الصناعات التحويلية القليلة التي نشأت، وبشكل خاص صناعة النسيج، التي استوردت الآلات وأعادت احتواء الحرفيين القدماء. ولم يتم توسع اقتصادي حقيقي إلا في قطاع التجاري وقطاع الخدمات الذي لم يستطع أن يستوعب الخريجين الجدد، وحتى الذين عملوا به لم يكونوا بحاجة إلى المستويات التعليمية التي تلقوها .. وبذلك حدث الازدواج بين نوع العمل ومستوى الدراسة .. ونشأت البطالة بأنواعها. ويلاحظ أن البطالة التى كانت تصل قبل الثورة إلى 70% من قوة القادرين على العمل انخفضت فى أواخر الستينيات إلى 10% فقط ، بينما الآن توجد بطالة مقنعة تصل إلى ربع القوة القادرة على العمل فى مصر وأغلبهم من أبناء العمال والفلاحين وصغار الموظفين والذين أنصفتهم الثورة فعلموا أبناءهم ولم يستطيعوا توفير فرص عمل لهم لأن أبناء الأغنياء هم الذين يحصلون على فرص العمل المتاحة حاليا فى قطاعات بعينها منها الاذاعة والتليفزيون والبترول وغيرهما.

9. تكريس طبقية التعليم، من خلال انتشار التعليم الخاص، والتعليم الأجنبي، ومدارس اللغات، واعتماد الاختبارات أداةً للتصفية ولفرز الطلاب وتوزيعهم على مراحل التعليم وأنواعه. وارتباط بنية التعليم ارتباطا شديدا بمستوى تطور تقسيم العمل الاجتماعي والتقني معا؛ فعندما احتاجت السلطة السياسية، بسبب ضعف التوسع الاقتصادي، إلى الحد من سيل العناصر المعدومة والشعبية إلى الترقي في المراكز العليا، خلقت سلسلة من الامتحانات والمراحل التي يحتاج عبورها إلى سنوات عديدة وصعوبات شديدة؛ بهدف تثبيط همم هذه العناصر وإجبارها على الهبوط في السلم الاجتماعي والالتحاق المباشر بالمراكز الدنيا، أي بالطبقة العاملة. وتوضح الدراسات التي أجريت حول معرفة مهن آباء طلاب الجامعات تدني نسبة أبناء العمال والفلاحين؛ ففي عام 1966 بلغت نسبة أبناء العمال والفلاحين حوالي 11% في جامعة القاهرة، بينما بلغت نسبتهم 84.1% من جملة السكان، في حين كانت نسبة أبناء المهنيين حوالي 33.2%، وبلغت نسبتهم إلى جملة السكان حوالي 3.7%، وبلغت نسبة أبناء صغار الموظفين والكتبة 23% ، وبلغت نسبتهم إلى جملة السكان حوالي 3.8%، وكانت نسبة أبناء ملاك الأراضي وأصحاب المشروعات الحرة 29.3%، وكانت نسبتهم إلى مجموع السكان 8.1%. وتلك الأرقام توضح أن تكافؤ الفرص في علاقته بالأصل الاجتماعي، أبرز تقدم أبناء الطبقات الميسورة في التعليم العالي والنظري، وبقاء أبناء الطبقات المعدومة والفقيرة في التعليم الفني المغلق[4].

10. تزايد هجرة الكفاءات العلمية والتقنية؛ حيث تضيق المجالات عن استيعابها، بالإضافة إلى تدخل عوامل أخرى غير الكفاءة العلمية في تحديد الموقع المناسب وشغله، أهمها ترجيح كفة أهل الثقة دون أهل الخبرة. ومثلت ولا زالت تمثل هجرة الكفاءات ناتجا قوميا ضائعا ومفقودا، وأصبح نظام التعليم عامل طرد واستبعاد لتلك الكفاءات بعد تدريبها وتأهيلها.
وختاما....

ينتقد البعض سياسة مجانية التعليم التي رسختها الثورة بدعوى أنها أدت إلي انخفاض مستوي التعليم وتخريج جيوش من العاطلين. والحق إن مبدأ ديمقراطية التعليم هو أول مبادئ الديمقراطية حيث تترسخ قاعدة تكافؤ الفرص التعليمية والدولة الديمقراطية ملزمة بأن تنشر التعليم لأنه وسيلة يجب ان تكون بيد الفرد‏؛ ليستطيع ان يعيش وإشعاره بحقه في الوجود الحر والدولة ملزمة بالدفاع عن هذا الوجود كما انه واجب الدولة ان تسمح لابناء الشعب بمواصلة فرص التعليم مادامت قدراتهم الذهنية تسمح بذلك‏.‏ كما أن التعليم بمجانيته، والتوسع فيه، ضرورة حتمية لتلبية احتياجات الاقتصاد القومي.

إن مجانية التعليم في كل مراحله هي مبدأ دستوري نصت عليه المادة‏(20)‏ من الدستور ومادام التعديل الدستوري غير مطروح يكون الجدل حول مخالفته عبثا لا طائل منه‏.‏

إن من يطالبون بجعل التعليم الجامعي الحكومي بمصروفات والغاء المجانية إلا لغير القادرين، يدعون لتقسيم المجتمع الطلابي الجامعي الي قادرين وفقراء، وللحصول علي مجانية التعليم يجب الحصول علي شهادة لفقر العائل‏.‏ والتعليم المجاني ـ حتي الدكتوراه ـ هو الذي فتح الطريق لأبناء الفقراء ليصبحوا وزراء وأساتذة جامعات وينتقلوا إلي صفوف الطبقة المتوسطة، ولولا مجانية التعليم لبقي الطريق مسدودا أمامهم وبقيت الفرص للتقدم مقصورة علي أبناء طبقة واحدة. وهذا مايجعل بعض الدول الرأسمالية المتقدمة مثل ألمانيا وغيرها تحرص علي أن يكون التعليم الجيد بجميع مراحله مجانا‏.‏ سنغافورة وهي سلطنة أو مقاطعة صغيرة انفصلت عن ماليزيا تصدر منتجات بمقدار‏160‏ (مائة وستين مليار دولار سنويا‏),‏ وهو رقم يتجاوز قيمة التجارة العربية بالكامل والمفارقة أن عدد سكان سنغافورة لا يزيد كثيرا عن عدد سكان حي شبرا بالقاهرة‏,‏ فلماذا تقدمت سنغافورة علي هذا النحو ووصلت إلي ما وصلت إليه؟ الإجابة في كلمة واحدة هي العلم‏.‏ إن التعليم في سنغافورة يعتبر من أفضل ثلاثة نظم تعليم في العالم فنلندا ـ سنغافورة ـ اليابان ففي هذه البلدان يعتمد التعليم علي تفجير ملكات الإبداع والابتكار والاستنتاج والمعرفة والنقد والحوار وتفجير المواهب والطاقات والملكات الكامنة في الطلاب‏,‏ فهناك يدرسون للطلاب كيف يعلمون أنفسهم‏,‏ فالبون شاسع بين التعليم والتعلم‏,‏ أما عندنا فحدث ولا حرج‏,‏ فالتعليم لايزيد عن كونه تلقينا من خلال شبكة أخطبوطية للدروس الخصوصية تدرب الطلاب علي اجتياز ماراثون الامتحانات‏,‏ ولاسيما امتحان الثانوية العامة‏,‏ فأصبح هدف التعليم هو الامتحان‏,‏ فإذا تم الحصول علي هذا الامتحان عن طريق التسريب أو شرائه حين يباع علي قارعة الطريق‏,‏ فلا ضير‏..‏ فالغاية تبرر الوسيلة‏..‏ وأصبحنا نشاهد مجاميع كاذبة وخادعة لطلاب اجتازوا الثانوية العامة وحصلوا علي مجاميع فلكية ثم تعثر أكثر من ثلثهم في السنوات الأولي بما يسمي بكليات القمة‏.‏ وهناك ملاحظة ضرورية ألا وهي أن التعليم في سنغافورة وفنلندا واليابان بالمجان‏,‏ وفي هذا رد قاطع علي الرأسماليين الجدد في مصر الذين يحاولون ليل نهار تسليع التعليم واعتباره مجالا للاستثمار وتحقيق الأرباح الفاحشة‏,‏ ونسوا أو لعلهم قد تناسوا أن التعليم هو أحد مقومات الأمن القومي المصري.
[1] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، المؤشرات الإحصائية(1952 – ا970) سنوات مختلفة(القاهرة، 1970)، ص ص 200 – 204.
[2] شبل بدران، صناعة العقل، كتاب الأهالي رقم 44، القاهرة، 1990. ص ص 154 – 168.
[3] مجدي محمود أحمد إبراهيم ، مستقبل محو أمية أبناء العاملين بالقطاع غير الرسمي في مصر ، مؤتمر مستقبل التعليم في الوطن العربي بين الإقليمية والمحلية ، كلية التربية بجامعة حلوان وجامعة الدول العربية ، القاهرة ، 20-21 أبريل 1996 ، المؤتمر العلمي الرابع ، ج2 ، ص ص 163-197.
[4] نزيه نصيف الأيوبي، سياسة التعليم في مصر، دراسة سياسية إدارية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، العدد24، مايو1987، ص ص 72-73.

الأبعاد الثقافية والاجتماعية لظاهرة إدمان المخدرات

مقدمة:
ظاهرة إدمان المخدرات ‏أصبحت ظاهرة خطيرة نتيجة تأثير الظروف العالمية والاقليمية والمحلية‏,‏ إلي جانب حدوث تطور جديد وسريع فيها خلال السنوات الماضية‏,‏ إذ انتشرت بين جميع فئات المجتمع بدءاً من الطبقات الدنيا حتي الراقية منها‏,‏ وبين مختلف فئات العمر أيضا والجديد أيضا هو زيادة نسبة جرائم المخدرات سواء تعاطي أو ترويج بين فئات النساء والأطفال أيضا‏.‏ وقد هدفت دراسة حديثة إلى محاولة فهم العلاقة بين إدمان المخدرات وأنماط السلوك الإجرامى الأخرى عند الشباب المصرى، من خلال التعرف على أنواع الجرائم التى يرتكبونها نتيجة إدمانهم المخدرات. وانتهت إلى أن هناك علاقة بين إدمان الشباب للمخدرات وبين ارتكابهم للسلوك الإجرامى، وأن هناك تنوعاً في الجرائم التي يرتكبها الشباب المدمن للمخدرات، وأكدت الدراسة على الدور الخطير الذي يلعبه إدمان المخدرات في زيادة النشاط الإجرامى بين الشباب، وأوضحت نتائج الدراسة زيادة النشاط الإجرامى بعد الإدمان عنه قبل الإدمان[1]. ‏كذلك تغير اشكال المخدرات ونوعياتها وطرق تداولها‏,‏ لدرجة أنها اصبحت تتخفي في مستحضرات التجميل وبعض الأغذية‏,‏ إلى جانب شكلها السافر الذي تطور من الحشيش والبانجو حتي السموم البيضاء (البودرة) بأشكالها المختلفة إلى جانب الاقراص المخدرة والمنشطة والمهدئة أيضا‏.‏ والمحزن أن الشباب الآن هم أكثر الفئات المستهدفة في المجتمع‏,‏ إلي جانب أنه لوحظ انخفاض سن متعاطي المخدرات واستخدام المواد المخدرة الذي قد يصل إلي أقل من ‏9‏سنوات مما أدخل الأطفال أيضا دائرة الخطر‏.‏ وانتهت دراسة على المدمنين من نزلاء اقسام علاج الإدمان إلى أن ظاهرة الإدمان من الظواهر التى يصعب تحديد حجمها الحقيقي لخصوصيتها، وأن الإدمان يوجد لدى من يقعون في فئة السن أقل من 20عاماً، ولدى الشباب الذين تتراوح اعمارهم ما بين 20 إلى أقل من 40 عاماً، وأن الإدمان يسود بين من يعملون في الأعمال الحرفية وعمال الخدمات والسائقين والطلبة[2]. وقد كشفت النتائج الخطيرة للدراسة العلمية التي أجراها صندوق مكافحة الادمان والتعاطي بمجلس الوزراء بالتعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية علي عينة شملت 19 ألف طالب وطالبة في الجامعات الحكومية تفشي الظاهرة بينهم. إذ أن 5% من طلاب الجامعات الحكومية يتعاطون المخدرات التقليدية، وأكثر من 10% منهم يحتسون الكحوليات، و10% يدخنون السجائر. أما الكارثة الكبرى فهي أن 70% من الطلاب يدخنون الأدوية التخليقية المدرجة في جداول المخدرات، وثلث هذه النسبة يتعاطاها بشكل منتظم.
لذلك فإن ظاهرة إدمان المخدرات أصبحت من القضايا الاجتماعية الملحة التي تحتاج إلي البحث الدائم المتواصل‏,‏ وتحتاج أيضا إلي تفعيل مشاركة الجمعيات الاهلية في أنشطة مواجهة الإدمان‏؛‏ لأن هذه الظاهرة هي انعكاس لكل مشاكل المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أيضا، وهي سبب ونتيجة أيضا لظواهر سلبية متعددة مثل العنف الأسري وأمراض اجتماعية جديدة ظهرت في فئات الشباب وحتي الأطفال.

الأبعاد الثقافية للإدمان:
أوضحت الشواهد الميدانيه أن الأفكار والمعتقدات داخل الأسرة تلعب دوراً مهماً فى الدفع الى تعاطى المخدرات والإدمان؛ فغالبا ما يتردد على ألسنة المتعاطين عبارات مثل: " المخدرات مش حرام.....مافيش نص دينى يقول كده.....دى بتفتح المخ فى المذاكره........دى بتساعد على العمليه الجنسيه". وكل هذه المعتقدات من جانب المتعاطين او من أحد أفراد الأسرة تدفع الأفراد إلى الاستمرار فى تناول المخدر. وهناك ثقافة فرعية خاصة بالمخدرات‏ تتمثل في بعض الافكار والمعتقدات السائدة والخاطئة حول تناول المخدرات وفوائدها. فالتنميط الثقافى له دوره فى عملية الإدمان فالفرد يتعلم لأن يستجيب لثقافته التقليدية، وفى طرق تراها الثقافة مناسبة ومقبولة. ففى بعض الثقافات يعد تعاطى مادة ما، أو إدمانها من الطرق التى تراها الثقافة مناسبة ومقبولة، كالقات في اليمن. وبالتالى يكون الإدمان نوعا من التقليد التلقائى الذى يأتى دون ضغط أو إلحاح. وهناك أعداد كبيره من الشباب تقبل على التعاطى بدافع حب الاستطلاع ونسبة كبيرة منهم يستمرون فى التعاطى ويكونوا بمثابه بؤر لنشر الفساد. وعن ثقافه التعاطى أيضا يلعب رفقاء السوء دورا فى دفع الفرد الى التعاطى حيث تجتمع الجماعة أو الشلة فى مجالس الانس والسمر ويشجعون الفرد على التعاطى واذا رفض الفرد يسخرون منه ويرددون أنه ليس رجلا وان ذلك للرجال فقط؛ فينحرف الفرد نحو التعاطى ليجارى مجلسهم وليثبت لهم أنه رجل مثلهم. وقد كشفت دراسة ميدانية أجريت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي أن أصدقاء السؤ كان لهم الدور الأكبر في دفع المبحوثين إلى الإدمان[3]. وقد توصلت دراسة ميدانية عن العوامل الاجتماعية المرتبطة بتعاطي الشباب المصري للمخدرات إلى أن أسباب تعاطي الشباب للمخدرات تكمن في مجاراة الأصدقاء، والتفكك الأسري، والشعور بالإحباط والعجز والاغتراب[4]. أما عن سياق ظاهرة التعاطى فيبدأ بجماعة الرفاق بمحاولات تجريبية دافعها التقليد وحب الاستطلاع، ترتبط بأوقات الفراغ والاحتفالات. كما أوضحت الدراسة العوامل الفاعلة فى تعاطى المخدرات، وكان من أهمها الاختلاط بالأصدقاء المنحرفين، والمشاكل الأسرية،والثراء المادى[5].
ونستطيع أن نقرر أن هناك أبعادا ظاهرة للمشكلة تتعلق بالتعاطي والمتعاطين بالفعل، لكن لها أبعادا أخرى خفية تتعلق بغير المتعاطين ممن لديهم الاستعداد النفسي والاجتماعي لأن يتعاطوا إذا سمحت الظروف بذلك. هؤلاء جميعا يسميهم البعض المستهدفين Vulnerable. وقد بلغت نسبتهم في إحدى الدراسات حوالي 10% من الطلاب غير المتعاطين يقررون (بدرجة عالية من الثبات) أنهم على استعداد للتعاطي، إذا أتيحت لهم الفرصة[6]. وقد كشفت بعض الدراسات عن وجود علاقه جوهرية بين التعاطى وبين المضمون الثقافى من حيث ضرر المخدرات أو فائدتها أو الحياد تجاهها. وتعتبر وسائل الاعلام والانترنت والقنوات الفضائية التى أصبحت الآن فى كل منزل فى عصر العولمه من القنوات الاجتماعية التى تنشر ثقافة التعاطي. واتضح أن هناك جماعات من الشباب لا يستهان بحجمهم لا يتعاطون المخدر، ولكنهم على استعداد نفسى واجتماعى للتعاطي. ويطلق آخرون على هؤلاء (الفئات الهشه) والذى تتراوح أعمارهمهم من 16-19 عاما. ولاشك أن التعرض لثقافة المخدرات عن طريق السماع عن المخدرات والرؤية المباشرة للمخدرات ووجود أصدقاء يتعاطون المخدرات يعد من أهم العوامل التي تؤدي إلى الإدمان.

الأبعاد الاجتماعية للإدمان:
مما لا شك فيه أن قضية المخدرات أصبحت تمثل اليوم خطراً داهماً يهدد كيان بل وإمكانية تقدم وتنمية أي مجتمع ويدرك المرء حدة وخطورة هذه المشكلة الاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية الأبعاد إذا عرف حجم الخسارة التي تعود على أي اقتصاد.
وقد يكون للعديد من المؤسسات والنظم الاجتماعية (كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام وأجهزة الشرطة والقضاء إلخ) دور حقيقي وفعال في إقبال بعض أبناء المجتمعات العربية على التعاطي والإدمان فلا بد من معرفة الأسباب الحقيقية وراء انتشار المخدرات. وهناك العديد من الظروف الاجتماعية المهيئة للتعاطي مثل: أسلوب الشدة في المعاملة أو التدليل دون الحد وزيادة عدد أفراد الأسرة ووقوع الطلاق وحدوث الانحلال الأخلاقي داخل الأسرة.
البناء الاجتماعى وما يحويه من تناقضات تمارس تأثيرها على الفرد، وقد تدفع به فى نهاية المطاف إلى الإدمان. فالتحولات السريعة فى المجتمعات والتغيرات الحادة التى يتعرض لها الأفراد فى العديد من البيئات الاجتماعية من خلال العمليات التنموية أيا كانت يمكن أن تترك بصماتها على الشخصية. وهناك دور تلعبه الأبنية الأسرية والعلاقات الاجتماعية فى تهيئة الإطار للتعاطى والإدمان، كما يمكن الإشارة إلى بناء الشخصية فى ارتباطها بالظروف الاجتماعية المواتية والتى قد تهيئ الفرص للتعاطى ومن ثم الإدمان، والدور الذى تلعبه البرامج الإعلامية فى خلق الاتجاه نحو التعاطي[7].
وهناك محاولات بحثية تشير إلى دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية وتوجيه سلوك الأبناء والشباب وتكون اتجاهاتهم حول القضايا المجتمعية المختلفة. وهناك محاولات بحثية أخرى تشير إلى دور خروج المرأة للعمل وتغيب الأب معظم الوقت خارج المنزل (ذلك الحاضر الغائب) في ممارسة بعض الشباب المراهقين لسلوك تعاطي وإدمان المخدرات. كما تشير دراسات أخرى إلى دور وسائل الإعلام المختلفة في لفت أنظار الشباب من خلال المسلسلات والأفلام على وجه التحديد لهذا السلوك السلبي. وقد حاولت دراسة وصفية التعرف على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية المؤدية إلى إدمان طلاب الجامعة للمخدرات. وحللت الدراسة كذلك العلاقة بيـن التعاطى وتعاطى أحد الأبوين. وافترضت أن هناك علاقة بين ارتفاع المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة وإدمان بعض الطلاب بالجامعة للمخدرات[8].
ومن أهم الأسباب الأسرية التي تساهم في إحداث الإدمان:
1- القدوة السيئة من قبل الوالدين: يعتبر هذا العامل من أهم العوامل الأسرية التي تدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات والمسكرات ويرجع ذلك إلى أنه حينما يظهر الوالدان في بعض الأحيان أمام أبنائهم في صورة مخجلة تتمثل في إقدامهم على تصرفات سيئة وهم تحت تأثير المخدر، فإن ذلك يسبب صدمة نفسية عنيفة للأبناء تدفعهم إلى محاولة تقليدهم فيما يقومون به من تصرفات سيئة. وعندما يكون أحد الوالدين من المدمنين للمخدرات أو المسكرات فإن ذلك يؤثر تأثيراً مباشراً على الروابط الأسرية نتيجة ما تعانيه الأسرة من الشقاق والخلافات الدائمة لسوء العلاقات بين المدمن وبقية أفراد الأسرة مما يدفع الأبناء إلى الانحراف والضياع.
2 - انشغال الوالدين عن الأبناء: إن انشغال الوالدين عن تربية أبنائهم بالعمل أو السفر للخارج وعدم متابعتهم أو مراقبة سلوكهم يجعل الأبناء عرضة للضياع والوقوع في مهاوي الإدمان. ولاشك أنه مهما كان العائد المادي من وراء العمل أو السفر فإنه لا يعادل الأضرار الجسيمة التي تلحق بالأبناء نتيجة عدم رعايتهم الرعاية السليمة.
3- عدم التكافؤ بين الزوجين: ففي حالة عدم التكافؤ بين الزوج والزوجة ، يتأثر الأبناء بذلك تأثيراً خطيراً وبصفة خاصة إذا كانت الزوجة هي الأفضل من حيث وضع أسرتها المادية أو الاجتماعية، فإنها تحرص أن تذكر زوجها بذلك دائماً، مما يسبب الكثير من الخلافات التي يتحول على أثرها المنزل إلى جحيم لا يطاق، فيهرب الأب من المنزل إلى حيث يجد الراحة عند رفاق السوء، كما تهرب هي أيضاً إلى بعض صديقاتها من أجل إضاعة الوقت، وبين الزوج والزوجة يضيع الأبناء وتكون النتيجة في الغالب انحرافهم.
4 - القسوة الزائدة على الأبناء: إنه من الأمور التي يكاد يجمع عليها علماء التربية بأن الابن إذا عومل من قبل والديه معاملة قاسية مثل الضرب المبرح والتوبيخ فإن ذلك سينعكس على سلوكه مما يؤدي به إلى عقوق والديه وترك المنزل والهروب منه باحثاً عن مأوى له فلا يجد سوى رفاق السؤ الذين يدفعون به إلى تعاطي المخدرات.
5- كثرة تناول الوالدين للأدوية والعقاقير: إن حب الاستطلاع والفضول بالنسبة للأبناء قد يجعلهم يتناولون بعض الأدوية والعقاقير التي تناولها آباؤهم مما ينتج عن ذلك كثيراً من الأضرار والتي قد يكون من نتيجتها الوقوع فريسة للتعود على بعض تلك العقاقير.
6- ضغط الأسرة على الابن من أجل التفوق: عندما يضغط الوالدان على الابن ويطلبون منه التفوق في دراسته مع عدم إمكانية تحقيق ذلك قد يلجأ إلى استعمال بعض العقاقير المنبهه أو المنشطة من أجل السهر والاستذكار وتحصيل الدروس، وبهذا لا يستطيع بعد ذلك الاستغناء عنها.
7- خصائص وسمات شخصية المتعاطي التي تتأثر بالتنشئة الاجتماعية داخل الأسرة: مثل ارتفاع سمة العصبية والتوتر والقلق، كما تتصف سمات شخصية المدمن بالخجل والشعور بالنقص وعدم التوافق النفسي والاجتماعي الجيد. وأهمية المخدر بالنسبة للمدمن: خفض التوتر، خفض مستوى الدفاعية، الخروج عن الواقع والهروب من المشكلات النفسية والاجتماعية.
الآثار الإجتماعية للإدمان على الأسرة:
- إعطاء المثل السيئ لأفراد أسرته: لأن المتعاطي بإنفاقه لدخله أو جزء منه على المواد المخدرة غير عابئ بإحتياجات اسرته لا يقدر المسئولـية و يهمل واجباته ويقدم نموذجاً سيـئاً لأولاده، فلا ينشأ لـديهم الشعور بالمسئولـية حيال أسرهم ومجتمعهم مستقبلاً.
- نقل عادة التعاطي لأفراد الأسرة: فتجد أن نتيجة لتكرار تعاطي رب الأسـرة للمخدرات يثيـر فضول الأبناء ويدفعهم إلي التعاطي، كـما قد يرسل الأباء الأبناء لشـراء المخدرات من أماكن بيعها. ومن المعروف أن الأطفال سريعو التأثر بآبائهم وتقليد أفعالهم.
- عدم توافر الأمان فى الأسرة: حيث يكون المنزل بصفة مستمرة عرضة للتفتيش من جانب أجهزة الأمن بحثاً عـما يحـوزه الشخـص أو يحرزه من المخدرات التى يتعاطـها وبالتالى شعـور أفراد الأسرة بعدم الأمان بالإضافة الى شعورهم بعدم قدرة عائلها على حمايتهم.
- فقدان العمل: يحدث تراجع في الأداء الوظيفي, و يمكن أن ينقطع المدمن فترات طويلة عن العمل أو يفصل من عمله, وينعكس ذلك على العائلة, لذلك نجد بأن المدمنين وعائلاتهم يعيشون مستوى أقل من مستواهم.
- التقتير في الإنفاق والإسراف في شراء المخدر: وهذا يقضي بالزوج إلى بيع أثاث بيته، وربما ذهب زوجته، وكل دخله يحوله إلى هذه السموم، فيعيش أفراد الأسرة في حالة فقر وحاجة، مما قد يدفعهم للعمل خارج البيت وهم في مبكرة على ذلك، وربما يصل به الأمر إلى التنازل عن تعليم أولاده.
- تكثر في حياة المدمنين من زوج أو زوجة قصص الخيانات الزوجية، ذلك أن المخدر تموت معه الغيرة، ويتبلد معه الإحساس، فيتحول الإنسان إلى بهيمة يفعل كفعلها، فليس لديه ما يحافظ عليه من عرض أو كرامة لذا فالزوجة تخون، والرجل كذلك يخون، وكفى بذلك سبباً لانهيار دعائم ذلك البيت.
- تزايد إنحراف الأطفال: فهناك نسبـة كبيـرة من أبناء متعاطى المخدرات أصـبحوا أطفالا منحـرفين (أحداثاً جانحين) وقد أشارت الدراسـات أن الأسر التى يوجد فيها أفراد منحرفين هم فى الغالب متأثرون بنحو أو أخر من أنمـاط الإنحـراف داخل الأسرة ويتمـثل ذلك فى كون الأب سكيراً أومدمناً على المخدرات.
- فقدان الأبناء للحب والحنان داخل الأسرة: حيث يؤثر تعاطى المخدرات على نمط العلاقات بين الزوجين فيكثر الشجار بينهـما مما يفقد الطفـل الشعور بالأمان لأنه يخاف على مصيره أويتحول الشجار إليه فيضربه أبويه أويقسوان عليه، ويصبح فى وضع متأرجح يملؤه الخوف على مصيره والقلق والإحسـاس بالضياع وقد يؤدى ذلك الى تعاطيه المخدرات فى سن مبكرة.
- التأخر الدراسي: حيث أن تعاطي المخـدرات له آثار سلبية علي النواحي التعليمية للطلاب الذين يتعاطون المخدرات لأنهم يهملون واجباتهم الدراسية ويتغيبون عن دراساتـهم ويميل بعض هؤلاء الطلاب إلي ارتكاب أفعال خارجة عن القيم التعليمية.
- 65% من مدمنى المخدرات يصابون بالعجز الجنسى بسبب تدمير المخدرات للغدة النخامية. 45% من النساء المدمنات يصبن بتوقف الدورة الشهرية, بل وبالعقم بسبب تأثير المخدرات على هرمون الأنوثة. ويؤثر تعاطى الأمهات للمخدرات تأثيراً كبيراً على الجنيـن خلال فترة الحمل ويترتب عليه أن الأطفال يولدون مصابون بأمـراض وتشوهات مختلفة.
- يصعب علاج المدمن بمعزل عن علاج من حوله و ما حوله فكلهم (أو كلها) يحتاجون علاجا لضمان عدم الإنتكاس.
العوامل الوقائية التي تساعد على تجنب تعاطي المخدرات:
· إن مشكلة الإدمان هي مشكلة اجتماعية يعاني منها المجتمع ككل، وبالتالي يجب مشاركة جميع الجهات الرسمية منها والشعبية في إيجاد هذا الحل، وإفساح المجال بشكل ديمقراطي أمام البحث العلمي لأسباب الظاهرة لتشمل كافة الميادين التي تتشعب منها المشكلة.
· ان للظاهرة جوانب متعددة (اجتماعية واقتصادية وسياسية) قد أدت إلى وجودها وانتشارها في المجتمع ككل فلابد من العمل بشكل جاد على حل هذه المعضلات المتعددة الجوانب التي يعاني منها المواطن من سكن وتوفير العمل المناسب والحريات الديمقراطية وغيرها لتنقية الأجواء وتخليصها من الشوائب التي تشجع على الكثير من الظواهر والأمراض الأخلاقية والسلوكية السيئة ومن ضمنها ظاهرة تعاطي المخدرات.
· تشكيل لجنة متخصصة من كافة الجهات الرسمية والشعبية (صحية، اجتماعية، اقتصادية، حقوقيين، مفكرين، مؤسسات شعبية من أندية وجمعيات مهنية ونسائية… الخ) وذلك لمشاركة في الكشف عن الأسباب الحقيقية للمشكلة وفي وضع الحلول بشكل جماعي، بحيث تتناول مختلف جوانب المشكلة، مع توفير حرية البحث العلمي ووضع الدراسات العلمية التي تتناول المشكلة من جوانبها الاجتماعية والنفسية، وتوفير كافة التسهيلات والضمانات لنجاح عمل اللجنة في القيام بمهماتها، حتى يمكن القضاء النهائي على المشكلة.
· التأكيد على دور الأسرة في تهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية لتربية الأبناء على أسس وأخلاقيات سليمة تقيهم من شرط السقوط في تعاطي المخدرات وغيرها من أمراض اجتماعية أخرى. فعلى الأســـرة تحقيـق الترابـط الأسـرى، وتوفير مــناخ اجتـماعي سـوى، ومناخ عاطفي مألوف متوازن، والرعايـة والمتابعـة المستـمرة للأبناء، وشــغل أوقـات الفــراغ، والبـعد عن أصـدقاء السـوء، والتـمسك بالقـدوة الحسـنة، وتنظيم أوجه الصرف المادي للفرد، والإهتمام بالتوعية الدينية السليـمة.
· على الأجهزة التعليمية (مدارس-معاهد-جامعات-أجهزة أخرى) توفير المناخ التربوي والتعليمي السليم، وإعـداد برامـج تعليمية متخصصة للتوعية من أخطار المخدرات وتعاطيها واثارها السلبية على الفرد والمجتمع وفقا لمعايير علمية متطورة، والإهتمام بتنمية المواهب والقدرات وبرامج الإعداد الرياضى المتطورة، والاهتمام بالجانب الدينى، وتفعيل أدوار الأخصائيين والإجتماعيين بالمنشات والأبنية التعليمية المختلفة لمراقبة السلوك والإنحرافات ومعالجة العناصر التى قد تؤثر على العامة من المخالطين لهم. والاهتمام بالتعليم التربوي واتباع الأساليب التربوية العلمية المتطورة في المناهج التعليمية لبناء جيل المستقبل على قاعدة متينة من الوعي والتربية و إدخال موضوع المخدرات والمؤثرات العقلية في برامج كليات الحقوق والشرطة.
· على أجهزة الشباب والرياضة توفير الإمكانيات المادية والبشرية لتشجيع ممارسة الرياضة بأوجهها المتعددة لجميع أفراد المجتمع، وتحديث برامج للتربية الرياضية وفقا للمتغيرات الحديثة والمتطورة وتدعيم دور الجهات والأجهزة المعنية بتربية النشأ بمختلف مراحله. والاهتمام بشغل أوقات الفراغ لدى الشباب بطريقة مفيدة من خلال التوسع في إنشاء الأندية ومراكز الشباب وتوفير الإشراف الواعي بها.
· على الأجهزة الإعلامية زيادة جرعة البرامج التى تهدف إلى إظهار جوانب مشكلة المواد المخدرة وإدمانها وأثارها السلبية على الفرد والمجتمع تهدف إلى إيجاد الحل للحد من تفاقم تلك المشكلة وطرق علاجها واعادة تأهيل المتعاطين والمدمنين.
· على الأجهزة المعنية بالعلاج من تعاطى وإدمان المخدرات واعادة التأهيل إتباع مناهج علمية متطورة ذات تقنية حديثة، وزيادة وتحـديث المصحات المؤهـلة لتلـقى العـلاج بالتنسيق مع الأجـهزة المعنـية، وعرض النـتائج والحـقائق التى تتوصل إليها تلك الأجهزة بمصداقية وشفافـية حتى يتم الوصول إلى الأساليب الجدية فى التعامل مع حالات التعاطى والإدمان وما تتطلبه من دعم مادي وبشري، وتشجيع العمل بنظام المتطوعين فيمن يتوافر لديهم شروط هذا النظام أو من لهم خبرات سابقة فى التعـاطى والإدمـان وتماثلوا للشفاء وأعيد تأهيلهم مرة أخرى للمجتمع.
· توفير العلاج الصحي والاجتماعي للمدمنين والمتعاطين الذين يتم ضبطهم ـ على أنهم مرضى يجب علاجهم وليسوا مجرمين ـ وذلك بتوفير المصحات النفسية ومراكز التدريب المهني والتوعية، لكسبهم مهن توفر لهم شروط معيشتهم المادية ومعيشة أفراد أسرهم بعد فترة العلاج. والتوسع في إنشاء العيادات النفسية وتزويدها بالاختصاصيين النفسانيين والاجتماعيين، والعمل على تشجيع إقبال المرضى والمتعاطين للعلاج بها، على أن تبعد هذه العيادات تماما عن الطابع الأمني بحيث يطمأن المريض المتعاطي على انه لن يكون مراقبا من أجهزة الأمن في الدولة.
· تشديد الرقابة على صناعة الحبوب المخدرة والكيماويات، والتي يكثر استخدامها، وتشديد العقوبات على الشركات والصيدليات وسحب تراخيص الصيادلة المخالفين، وتفعيل عمل اللجنة الثلاثية المشكلة من وزارات الداخلية والعدل والصحة، من خلال دراسة المواد الواردة بالجدول الملحق بقانون المخدرات. بالإضافة لتفعيل دور أجهزة الرقابة على تداول الأدوية المخدرة بوزارة الصحة.
· القضاء على مشكلة البطالة التي يعاني منها المئات من الشباب بتوفير فرص متكافئة من العمل. ويمكن أن تساهم الجمعيات الأهلية في مساعدة الشباب على القيام بمشروعات إنتاجية، وتوعية وتثقيف النشء والشباب فى المساهمة فى مجالات التنمية المجتمعية الشاملة…إلخ.
· صيانة القيم السياسية وتعميقها فى نفوس أبناء المجتمع والحفاظ عليها من الانتهازيين وضرورة العمل على تعميق المشاركة السياسية عند الأفراد داخل المجتمع. والعمل على محاربة الفراغ القاتل الذي يعاني منه قطاع الشباب، وذلك بإطلاق الحريات العامة في البلاد ووضع البرامج الاجتماعية الثقافية الجديرة بتنمية وعي الشباب وفتح مداركهم، وتوفير كل فرص الإبداع لديهم من خلال النشاطات الثقافية والاجتماعية والرياضية عبر المؤسسات والجمعيات والأندية الشعبية والمسارح وغيرها.
· عوامل شخصية: تنمية المهارات الحياتية الشخصية لدى الشاب/الشابة (القدرة على التصرف السليم، النظرة الإيجابية إلى الذات، القدرة على اتخاذ القرار)، والمشاركة في نشاطات اجتماعية ورياضية وثقافية متنوعة، والوعي الكامل عن أضرار المخدرات، والتمسك بالعادات والتقاليد والمحافظة على القيم والأخلاق.
· عوامل بيئية (مجتمعية): وجود علاقات عائلية متينة، ووجود علاقات اجتماعية جيدة مبنية على الرعاية والقيم الحسنة، ونشر الثقافة الاجتماعية التي تستنكر استخدام المخدرات (مجتمع رافض للمخدرات)، وصعوبة الحصول على المخدرات (تقليل فرص عرض المخدرات)، ووجود قوانين رادعة وقوية، والتوعية الوقائية المدروسة.

إن تعاطي المخدرات من أهم المشكلات القومية الملحة التي تبدد المال والنفس وكل قوى البناء وهي ظاهرة انحرافية إذ تخرج عن القواعد السلوكية والمعايير الأخلاقية التي يقرها المجتمع سواء كان هذا الإقرار من الجانب القانوني أو الديني أو الثقافي ورغم عالمية مشكلة تعاطي المخدرات ومتغيراتها الاجتماعية فإن لها صورة محلية خاصة بكل مجتمع على حدة إذ إنها مشكلة ذات أبعاد قومية ترتبط بالتاريخ السياسي والتشريعي للبلاد، كما ترتبط بتراثها وعاداتها وبنيتها الاجتماعية والخلقية والثقافية وتكمن خطورة تعاطي المخدرات في الآثار السلبية الواقعة على المتعاطي وليس هذا فحسب بل وعلى المجتمعات نفسها.
ومن هنا فإن علاج أي مدمن يحتاج إلى فريق متكامل من الطبيب الجسماني والطبيب النفسي ورجل الدين والاخصائي الاجتماعي مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية والثقافية المحيطة بالمدمن.
[1] هبه الامام أحمد أبوالعمايم، إدمان المخدرات وأثره على السلوك الإجرامى بين الشباب " دراسة ميدانية لبعض الحالات داخل سجن القناطر الخيرية نساء ورجال "، رسالة دكتوراه (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 1997.
[2] انعام عبدالجواد (واخرون)، المسح الشامل لظاهرة تعاطى وإدمان المخدرات المرحلة الثالثة: دراسة على المدمنين من نزلاء اقسام علاج الادمان "القاهرة الكبرى، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية"، القاهرة، 2000.
[3] زين العابدين مخلوف، الإدمان كمشكلة اجتماعية لدى الشباب المصري: دراسة ميدانية، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة المنيا، 1993.
[4] عزة محمد أبو الهدى، العوامل الاجتماعية المرتبطة بتعاطي الشباب المصري للمخدرات، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الدراسات الإنسانية، جامعة الأزهر، 1989.
[5] موزة عبيد غباشى، تعاطى المخدرات وأثرها على القيم ومعايير السلوك فى مجتمع الامارات العربية المتحدة، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، مج56، ع4، 1996.
[6] مصطفى سويف، دروس مستفادة من بحوث تعاطي المخدرات في مصر، الكتاب السنوي لعلم الاجتماع في مصر، العدد السادس، دار المعارف، القاهرة، ابريل 1984 ص 259.
[7] فاروق اسماعيل، المخدرات والمؤثرات العقلية بين الدافعية والتاثير وإمكانية العلاج والوقاية، المجلد : 2، العدد: 2، 1990، مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، 1990.
[8] عفاف على عبدالمعتمد - العنوان : الابعاد الاجتماعية الاقتصادية لادمان المخدرات: بحث ميدانى على عينة من طلاب وطالبات جامعة الازهر وعين شمس، مجلة كلية الدراسات الإنسانية، 2000، العدد : ع 18، 2000.

دور منظمات المجتمع المدني في نشر ثقافة حقوق الإنسان

كثيراً ما يجري قصر مفهوم حقوق الإنسان، خاصة عند نقد غيابها، في الحديث على المستوى السياسي لهذه الدولة أو تلك. ونلحظ ذلك حين نتابع أن أغلب التقارير والدراسات التي تحاول قياس وجود هذه الحقوق تتحدث عن قانون الطوارئ والاعتقال التعسفي وممارسة التعذيب.. إلخ. وهو قياس صحيح بالتأكيد؛ إذ إن للدولة دوراً حاسماً في العصر الحديث في تمكين هذا المفهوم عملياً. ويزداد هذا الدور أهمية كلما ابتعد شكل نظام الحكم عن الشكل الديموقراطي بمعناه اللبرالي البسيط؛ أي توفر قانون مدني سائد مستقل ونزيه، ومؤسسات حكم مبنية على المؤسساتية، وانتخابات وآليات ترشيح وانتخاب نزيهة وشفافة، وتعددية سياسية حقيقية، وآلية تداول سلطة مناسبة للتعددية السياسية... إلخ.

إلا أنه كثيراً ما يغفل الجانب الآخر لهذا الأمر. أي مدى تغلغل هذا المفهوم في الممارسة اليومية للمجتمع بكافة فئاته ومستوياته ومجالاته. وهو أمر يربط عادة ويبرر بغياب الجانب الأول أو نقصه. إلا أن ذاك الغياب ليس، إلا عاملاً واحداً من عوامل غياب ممارسة مفاهيم حقوق الإنسان في المجتمع. أما العوامل الكثيرة الأخرى فهي لا تتعلق مباشرة بالسلطة السياسية، وإن تأثرت بها بهذه الدرجة أو تلك. بل تتعلق بمدى سواد العادات والتقاليد الرافضة أو المناقضة لهذه المفاهيم، ومدى تبني الفئات الطليعية في المجتمع لهذه المفاهيم، وحجم ونوعية مبادراتها لتجسيدها، وعلاقة هذه الفئات بباقي فئات المجتمع، ومدى اعتبار المثقفين لأهمية مفاهيم حقوق الإنسان، ومحاولتهم إدراجها في أعمالهم على اختلاف أنواعها، خاصة تلك المتعلقة بوسائل الإعلام الجماهيري..وعلى سبيل المثال، يمكن للجمعيات المدنية المختلفة الأهداف أن تنمو وتزدهر تحت ظل دولة تقر بحق المواطنين في التجمع والتنظيم، وتقر قانون جمعيات ديمقراطي وعصري، إلا أن هذا النمو والازدهار متعلق أيضاً بمدى قناعة المجتمع المدني بدور هذه الجمعيات، ومبادرته إلى إنشائها وتطويرها. فإذا لم تكن هذه القناعة وتلك المبادرة موجودتين بقوة، يبقى القانون أشبه بحبر على ورق. كما أن دولة لا تقر عمليا بحق المواطن في التجمع والتنظيم، وتقر قانون جمعيات غير ديمقراطي ومتخلف، يمكن لها أن تحد من نمو الجمعيات وازدهارها. إلا أن تغلغل تلك المفاهيم في المجتمع ومبادرته إلى تأليف جمعياته والعمل فيها وعليها، يضع تلك الدولة وذاك القانون في الزاوية الضيقة التي لا يعود هناك مفر من الخروج منها عبر تعديل هذه القوانين.

وما نود قوله أن تعليق كل شيء على ما تسمح به السلطات المحلية في هذا البلد أو ذاك، ورهن الحركة بهامشها الخاص، هو أمر مناقض لطبيعة الحياة ومسيرتها. خاصة أن الدولة - أية دولة - كما القوانين، هي محافظة بهذه الدرجة أو تلك مقارنة بحيوية الحياة. وخاصة في "القرية الصغيرة" الجديدة. وهي حقاً قرية صغيرة. وتعي الحكومات هذه الحقيقة وتتعامل معها بدرجات عالية من الذكاء، بينما ما يزال المجتمع المدني، في بعض الحالات، يشير إلى وعيه معنى "القرية الصغيرة" دون أن يبادر إلى استغلال كامل طاقاتها.

ونحن نعتقد أننا بحاجة ماسة إلى عدم انتظار أن تأتينا الحلول على طبق من ذهب. وعدم رهن كل شيء على المستوى السياسي، المهم بالتأكيد، ولكنه ليس سوى مستوى واحداً من مستويات الحياة. بل قد يكون من الممكن القول أن هذا المستوى يخضع بازدياد، عالمياً، لحركة المستويات الأخرى بعد ثورة الاتصالات التي نزعت الهيبة مرة واحدة عن المستوى السياسي، وكشفت كل خباياه وزواياه ونقاط ضعفه وقوته..وأظهرت أنه عاجز عموماً عن الاستمرار في التناقض مع حاجات المجتمع. ومجبر على التأقلم وإعادة التأقلم مع هذه الحاجات، إن لم نقل تلبيتها وتحقيقها. خاصة حين يعي هذا المجتمع أن في استطاعته أن يشرع في بناء مؤسساته وأدواته بيديه.

إن تعليم حقوق الإنسان حق إنساني غايته الأساسية خلق مواطن مسئول وملتزم وقادر على دمج القيم التي يتعلمها في حياته اليومية. وعلى رغم أن تعليم حقوق الإنسان جزء أساسي من العملية التعليمية تماماً كتعليم القراءة والكتابة، فهو كذلك قضية مجتمعية يجب أن يشارك فيها الأفراد والمنظمات الغير حكومية والحكومات.

لا يمكن نشر ثقافة حقوق الإنسان إلا بتوافر الإرادة السياسية وتعاون المؤسسات الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية. وهذا يتطلب إبداء حسن النية من الجميع. إلا إن ذلك لا يعني الصمت عن انتهاكات حقوق الإنسان أو تبعية منظمات حقوق الإنسان وخصوصاً الوطنية منها للحكومة. فالعمل الذي تقوم به منظمات حقوق الإنسان كالدعوة للتغيير الاجتماعي وانتقاد السياسات الحكومية المتعارضة مع حقوق الإنسان يعتبر من ضرورات نشر ثقافة حقوق الإنسان. أرجو أن يقرأ المسؤولين على أعلى المستويات هذه النقطة ويتفهموا أن نشر بيان ينتقد إجراءً حكومياً معيناً أو إصدار تقرير كالتقارير السنوية لحقوق الإنسان التي تصدرها الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان لا يبرر القطيعة وعدم التجاوب التي تشوب علاقة هذه الجمعيات ببعض المؤسسات الحكومية.

ومن الضروري التنسيق المستمر بين منظمات المجتمع المدني؛ فقضايا حقوق الإنسان متشعبة ومترابطة، وهي لا تخص منظمات حقوق الإنسان وحدها. وتتواجد على الساحة منظمات متخصصة مثل : جمعيات حماية البيئة، وتلك العاملة على محاربة مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، وجمعيات محاربة العنف ضد المرأة، وجمعيات حماية حقوق الطفل والمرأة وغيرها. وقد يكون العاملون في تلك المنظمات أكثر قدرة من جمعيات حقوق الإنسان على التواصل مع الناس في القرى والأحياء الشعبية. لذا يقع على عاتق نشطاء حقوق الإنسان المساهمة في تدريب أعضاء تلك الجمعيات ومساعدتهم على فهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وآليات عملها ومدهم بالوثائق الضرورية التي يحتاجونها في عملهم.

وعلى هذا يؤكد الباحث على ضرورة نشر ثقافة حقوق الإنسان منذ المراحل التعليمية الأولى؛ حتى ينشأ الطلاب على احترام حقوق الإنسان، مع ملاحظة أن حقوق الإنسان ليست مادة دراسية كأي مادة أخرى، بل هي إطار حياة، ومبادئ تحدد علاقة الإنسان بالآخر وبالمؤسسات وبالدولة في نفس الوقت. ويمكن أن تقوم منظمات المجتمع المدني بعمل دورات تدريبية للمعلمين والمديرين في كيفية تدريس حقوق الإنسان، وتضمينها في المناهج الدراسية، كما أن إصلاح المنظومة التعلمية بعناصرها التي تضم التلاميذ والمعلم والمناهج والإدارة والبيئة المحيطة هو الخطوة الأولى لتدريس ثقافة حقوق الإنسان، على أن يقوم المجتمع المدني بممارسة دوره في عمل حوار حول القضايا المتعلقة بإصلاح أوضاع التعليم.

وعلى منظمات المجتمع المدني تدعيم دور الأسرة في نشر وتعميق فهم مبادئ حقوق الإنسان وجعلها سلوكاً يومياً للفرد. كما يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في فهم الوالدين لتلك الحقوق عموماً وحقوق الطفل خصوصاً. وفي هذا الإطار نتذكر عبارة إليانور روزفلت إحدى مهندسي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. تقول السيدة روزفلت ‘"إذا لم يكن لحقوق الإنسان أي معنى في الأماكن الصغيرة القريبة من المنزل فهي لن تعني شيئاً في أي مكان آخر".

ولمنظمات المجتمع المدني دور كبير في نشر ثقافة حقوق الإنسان في المناطق الريفية وبين الفئات الخاصة كالمعوقين والمهاجرين والفقراء. إن هذه الفئات التي يمكن تسميتها بالهشة هي أكثر الفئات تعرضاً لانتهاك حقوقها الإنسانية. لذا فهي في أمَس الحاجة لمعرفة تلك الحقوق والتكتل للمحافظة عليها. ويتوجب في هذا الخصوص ربط احتياجات تلك الفئات بالبرامج التعليمية مع ضرورة استغلال الموروث الشعبي والموسيقى ومسارح الشارع في برامج التوعية الموجهة لها.

ويمكن أن تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً كبيراً في تدريب أصحاب المهن التخصصية كالمحامين والأطباء والممرضين والقضاة والأخصائيين الاجتماعيين والصحافيين ورجال الشرطة والجيش على مبادئ حقوق الإنسان. فهذه الفئات تحتاج وبشكل عاجل جداً إلى أن تتعلم حقوق الإنسان سواء أثناء الدراسة الأكاديمية أو بعد التخرج.

للمزيد انظر :

http://anhri.net/syria/nesasy/2005/pr0814.shtml